إلى ابن الأشتر : إنّي أُريد ملاقاتك الليلة ..
وكانت عشيرة عمير هذا حاقدة على بني مروان من أجل بعض الوقائع ، فأتى عمير إلى ابن الأشتر ومعه رجل يسمّى «فرات بن سالم» وكانا يمرّان بمسالح أهل الشام فيقولون لهما : ما أنتما؟! فيقولان : طليعة للأمير الحصين بن نمير.
فأتيا إبراهيم وقد أوقد النيران وهو قائم يعبّئ أصحابه ، وعليه قميص أصفر هروي ، وملاءة مورّدة ، متوشّحاً بها ، متقلّداً سـيفه ، فدنا منه عمير فصار خلفه ، واحتضنه من ورائه ، فلم يعبأ به إبراهيم ، ولا تحلحل عن موضعه ، غير أنّه أمال رأسه وقال : من هذا؟
قال : أنا عمير.
فقال : اجلس حتّى أفرغ. فجلس.
فقال عمير لصاحبه : هل رأيت رجلاً أربط جأشاً ، وأشـدّ قلباً منه؟! تراه تحلحل من مكانه أو اكترث بي وأنا محتضنه من خلفه؟!
فقال صاحبه : ما رأيت مثله.
ثمّ بايعه عمير ، وأخبره انّه على ميسرة ابن زياد ، ووعده أن ينهزم بالناس عند الحـرب بعد أن اختبره إبراهيم وعرف نصـحه ، ثمّ انصرف عمير.
وبثّ ابن الأشتر الحرس تلك الليلة ولم يدخل عينه النوم ، فلمّا كان وقت السحر الأوّل عبّأ أصحابه ، وكتّب كتائبه ، وأمّر أُمراءه ، فلمّا انفجر الفجر صلّى بأصحابه صلاة الصبح وقت الغلس (١) ، ثمّ خرج بهم فصفّهم ،
____________
(١) الغلس : الظلمة.