وجعل أصحابه يستقبلون بين يديه ويُسلّمون عليه ويودّعونه ، ثمّ يقاتلون حتّىٰ يُقْتلوا .
فكان أوّل قتيل من آل أبي طالب علي بن الحسين الأكبر ، ثمّ عبد الله ابن مسلم بن عقيل ، ثمّ محمّد بن عبد الله بن جعفر ، ثمّ جعفر بن عقيل .
قال عبد الله بن عمّار : ثمّ رأينا غلاماً كأنّ وجهه شقّة قمر ، في يده سيف ، وعليه قميص ونعلان وقد انقطع شِسْع أحدهما ، فحمل عليه رجلٌ فضربه علىٰ رأسه ، فوقع الغلام لوجهه وصاح : يا عمّاه !
فجلّىٰ الحسين كما يجلّي الصقر ، ثمّ شدّ علىٰ الرجل بسيفه ، فاتّقاه ، فضرب ساعده فأطنّها من المِرفق ، وتنحّىٰ الغلام وٱنجلت الغبرة ، فرأيت الحسين قائماً علىٰ رأسه وهو يفحص برجلَيْه الأرض والحسين يقول : بُعْداً لقوم قَتَلوك ، ومن خصمهم جدّك . ثمّ قال : عزّ والله علىٰ عمّك أن تدعوه فلا يُجيبك ، أو يُجيبك فلا ينفعك . .
ثمّ احتمله فكأنّي أنظر إلىٰ رجلَيِ الغلام يخطّان في الأرض ، وقد وضع الحسين صدره علىٰ صدره ، فقلت في نفسي : ما يصنع به ؟! فجاء به حتّىٰ ألقاه مع ابنه عليّ والقتلىٰ حوله من أهل بيته ، فسألْتُ عن الغلام ، فقيل : هو القاسم بن الحسن بن عليّ عليهم السلام .
ومكث الحسين طويلاً من النهار
، كلّما انتهىٰ إليه رجلٌ انصرف عنه وكره أن يتولّىٰ قتله ، حتّىٰ أتاه سنان بن أنس ، فضربه علىٰ
رأسه بالسيف ، فقطع بُرنس خزٍّ كان عليه ، وأدمىٰ رأسه ، فألقىٰ ذلك البُرنس ودعا
بقلنْسُوَة فلَبِسَها وٱعتمّ ، وكان قد أعيا وجهدَه العطش ولم يبقَ له قوّة ، فدنا إلىٰ
الماء يشربه ، فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه ، وجعل يتلقّىٰ الدم من فيه فيرمي به نحو السماء ويقول : اللّهمّ اغْضب لابن بنت نبيّك ، اللّهمّ