بمثل هذا الفعل الشنيع المنكر ، الذي هو علىٰ أُصول الكفر الباطني ـ إلىٰ حدوث بلبلة واضطراب في أوساط الناس وعامّتهم ممّن لا يعرف من الإسلام إلّا رسمه ، ومن الدين إلّا طقوساً ظاهرية . .
فحفاظاً منه صلىاللهعليهوآله علىٰ عدم إثارة الفتنة بين عامّة الناس بذلك ، وعدم تزلزل إسلامهم أمر بالكتمان ؛ ولا سيّما أنّ قوله تعالىٰ في الآية السابقة لهذه الآيات : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) (١) في تفسير أهل البيت عليهمالسلام ـ كما روىٰ ذلك الطبرسي في مجمع البيان (٢) ، وغيره من مفسّـري الإمامية ، وبطرق مسندة عنهم عليهالسلام ـ : « جاهد الكفّار بالمنافقين » ، قالوا : لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يكن يقاتل المنافقين وإنّما كان يتألّفهم ؛ لأنّ المنافقين لا يُظهرون الكفر ، وعلْم الله تعالىٰ بكفرهم لا يبيح قتلهم إذا كانوا يُظهرون الإيمان . فعلىٰ هذا التفسير كان صلىاللهعليهوآله مأموراً بأن يستبقيهم ويجاهد بهم الكفار . .
ثمّ أنّه من الغريب من ابن سعد أنّه يروي أنّهم ليسوا من قريش بل من الأنصار وحلفائهم ، ويروي ـ في الوقت نفسه ـ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يخبر بأسمائهم غير حذيفة ، فكيف نفىٰ كونهم من قريش ؟!
والغريب منه أيضاً نفي كونهم من حلفاء قريش ؛ إذ نسبهم إلىٰ الأنصار وحلفائهم خاصّة . .
ولا غرابة في ذلك ؛ فإنّ أصحاب السقيفة لم يواجههم في السقيفة إلّا الأنصار وحلفائهم ـ إلّا القليل ـ ولم يعقد البيعة في السقيفة إلّا قريش وحلفائها .
__________________
(١) سورة التوبة ( براءة ) ٩ : ٧٣ .
(٢) مجمع البيان ٥ / ٧٧ .