دعبل القصيدة في ثوبٍ وأحرم فيه ، وأوصى بأن يكون في أكفانه (١).
وحكى العلاّمة الأميني في الغدير عن الحافظ ابن عساكر في تاريخه قوله : إنّ المأمون لمّا ثبتت قدمه في الخلافة وضرب الدنانير باسمه ، أقبل يجمع الآثار في فضائل آل الرسول ، فتناهى إليه ـ في ما تناهى ـ من فضائلهم قول دعبل : (مدارسُ آياتٍ ...) فما زالت تردّد في صدر المأمون حتّى قدم عليه دعبل ، فقال له : أنشدني قصيدتك التائية ولا بأس عليك ، ولك الأمان من كلّ شيء فيها ، فإنّي أعرفها وقد رويتها ، إلاّ أنّي أُحبّ أن أسمعها من فيك. قال : فأنشدته حتّى صرتُ إلى هذا الموضع :
ألَمْ تَرَ أنّـي مُذْ ثَلاثيـنَ حِجّةً |
|
أروحُ وأغْدو دائِـمُ الحَسَراتِ |
أرى فَيْئَهُمْ فـي غَيرِهُمُ مُتَقَسِّمـاً |
|
وأيْديـهُمُ مِـنْ فَيْئهِمِ صَفِـراتِ |
فآل رَسُولِ اللهِ نحفٌ جُسومُهُمْ |
|
وآل زيادٍ غُلّـظُ القَـصِراتِ |
بَناتُ زِيادٍ في القُصُورِ مَصُـونَةٌ |
|
وبِنْتُ رَسولِ اللهِ في الفَلَواتِ |
إذا وُتِروا مَدّوا إلـى واتِرِهم |
|
أكُفّـاً عَنْ الأوْتـارِ مُنْقَبِضاتِ |
فلولا الّذي أرْجُوهُ فـي يَـوْم أوّ غَدِ |
|
تَقَطّعَ نَفْسي إثرهـم حَسَراتِ |
فبكى المأمون حتّى اخضلّت لحيته وجرت دموعه على نحره (٢).
وعن شيخ الإسلام أبي إسحاق الحموي ، عن أحمد بن زياد ، عن دعبل ، قال : أنشدتُ قصيدة لمولاي علي الرضا عليه السلام (مدارسُ آياتٍ ...) فلمّا وصلت إلى :
وقَبْرٌ بِبَغْدادَ لِنَفْسٍ زَكِيَّةٍ |
|
تَضَمَّنَهـا الرحمنُ في الغُرُفاتِ |
____________
(١) معجم الأُدباء ١١ / ١٠٣.
(٢) الغدير ٢ / ٣٥٢ ، عن الحافظ ابن عساكر في تاريخه ٥ / ٣٣٤.