قال : أُريد العجوز السوداء والشيخ الذي معها. يعني أُمّه وأباه ، فردّوهما عليه.
فقال له عمّه : يا بني كرّ.
فقال : العبد لا يكرُّ ، لكن يحلب ويصرّ.
فأعاد عليه القول ثلاثاً ، وهو يجيبه كذلك. فقال له : إنّك ابن أخي ، وقـد زوّجـتك ابنتـي عـبلة. فكَـرَّ عـليهم فصـرع منهم عشـرة ، فقالوا له : ما تريد؟
قال : الشيخ والجارية. يعني عمّه وابنته. فردّوهما عليه.
ثمّ قال لهم : إنّه لقبيح أن أرجع عنكم وجيراني في أيديكم ، فأبوا ، فكَرَّ عليهم حتّى صرع أربعين رجلاً قتلى وجرحى ، فردّوا عليه جيرانه ، فأنشد هذه القصيدة يذكر فيها ذلك (١).
والشاعر هو عنترة بن شـدّاد بن قُراد العبسي ، يكنّى بأبي المُغلّس ، لسيره إلى الغارات في الغلس ، ويلقّب بعنترة الفلحاء ، وبعنترة الفوارس ؛ لأنّه من فرسان العرب المعدودين.
وهو بطل شجاع ، جريء الفؤاد ، حليم الطباع ، رقيق القلب ، دقيق الإحساس ، رحب الصدر ، عفيف النظر واللسان ، كريم جواد ، عاشق محروم ، يتألّم ويشكو.
وشعره يجمع بين الرقّة والشـدّة ، وشرف المعاني وسهولة اللفظ ، وحسن الانسجام ومتانة التعبير.
مات عنـدما أغار عـلى بنـي نبهان وهو شـيخ كبير ، وكان وِزر بن
____________
(١) شرح شواهد المغني ١ / ٤٨١ ـ ٤٨٢.