ثمّ قال : إنّ جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين قالوا : إذا كان قبل النفي استفهام تقريري فالأكثر أن يُجاب بما يُجاب به النفي رعياً للفظة. ويجوز عند أمن اللبس أن يُجاب بما يُجاب به الإيجاب رعياً لمعناه.
قال : وعلى ذلك قول الأنصار للنبيّ صلى الله عليه وآله ـ وقد قال لهم : «ألستم ترون لهم ذلك؟!» ـ : نعم ، وقول الشاعر : ... ـ وذكر البيتين ـ.
ثمّ قال : قال : وعلى ذلك جرى كلام سيبويه ، والمخطِّئ مخطئ (١).
وحيث ظهر أنّ (بلى) و (نعم) يتواردان في جواب أليس مع أمن اللبس ، واقتضاء العرف إقامة كلّ منهما مقام الآخر ؛ فقد تطابق العرف واللغة على أنّ في مثل هذا اللفظ إقرار كـ : (بلى) ؛ لانتفاء اللبس ، وهو الأصحّ ، واختاره شيخنا في الدروس (٢).
والبيتان من قصيدة قالها جَحْدَر بن مالك ، في قضية وقعت بينه وبين الحجّاج بن يوسف الثقفي ، ذكرها السيوطي مع اختلاف في كلمات البيتين.
قال : أخرج المعافي بن زكريا وابن عساكر في تاريخه بسند متّصل عن ابن الأعرابي ، قال : بلغني أنّه كان رجل من بني حنيفة يقال له : جَحْدَر ابن مالك ، فتّاكاً شجاعاً ، قد أغار على أهل حَجْر وناحيتها ، فبلغ ذلك الحجّاج ، فكتب إلى عامله باليمامة يوبّخه بتلاعب جَحْدَر به ، ويأمره بالاجتهاد في طلبه.
فلمّا وصل إليه الكتاب أرسل إلى فتيةٍ من بني يَرْبوع ، فجعل لهم جُعْلاً عظيماً إن هم قتلوا جحدراً أو أتوا به أسيراً. فانطلقوا حتّى إذا كانوا قريباً منه ، أرسلوا إليه أنّهم يريدون الانقطاع إليه والتحرّز به فاطمأنّ إليهم
____________
(١) مغني اللبيب ٢ / ٣٤٧.
(٢) الدروس ٣ / ١٢٢ ، جامع المقاصد ٩ / ١٩٣ ـ ١٩٥.