ووثق بهم ، فلمّا أصابوا منه غرّة شـدّوه كتافاً وقدموا به على العامل ، فوجّه به معهم إلى الحجّاج ، فلمّا أُدخل على الحجّاج قال له : مَن أنت؟
قال : جَحْدَر بن مالك.
قال : وما حملك على ما كان منك؟
قال : جرأة الجنان ، وجفاء السلطان ، وكلَب الزمان.
قال : وما الذي جرى منك فجرّأ جنانك؟
قال : لو بلانـي الأمـير ـ أكرمه الله ـ لوجدني من صالحي الأعوان ، وبُهم الفرسان ، ولوجدني من أنصـح رعيّته ، وذلك أنّي ما لقيت فارساً قطّ إلاّ وكنتُ عليه في نفسي مقتدراً.
قال له الحجّاج : إنّا قاذفون بك في حائرٍ فيه أسد عاقر ضارّ ، فإن هو قتلك كفانا مؤنتك ، وإن أنت قتلته خلّينا سبيلك.
قال : أصلح الله الأمير ، عظمت المنّة ، وقويت المحنة.
قال الحجّاج : فإنّا لسنا بتاركيك تقاتله إلاّ وأنت مكبّل بالحديد. فأمر به الحجّاج فغلّت يمينه إلى عنقه ، وأرسل به إلى السجن ، فقال جَحْدَر لبعض من يخرج إلى اليمن : تحمل عنّي شعراً؟ وأنشأ يقول :
تـأوَّبَنـي فَبِـتُّ لها كَنيـعاً (١) |
|
هُمومٌ لاتُفارِقُـني حَواني |
إلى أن قال :
ألَـيْـسَ اللهُ يَجْمعُ أُمّ عَمْرٍو |
|
وإيانا فذاكَ لنا تَـداني |
بَلـى وتَرى الهِلالَ كَما أراهُ |
|
ويَعْلـوها النَهارُ كمـا عَلاني |
ثمّ ذكر كيفية قتل جحدر للأسد ، وإكرام الحجّاج له (٢).
___________
(١) كنع الرجل : أي خضع ولان. الصحاح ٣ / ١٢٧٨ مادّة «كنـع».
(٢) شرح شواهد المغني ١ / ٤٠٧ ـ ٤١٠ رقم ٢٠٧.