والتعبير بـ : «لن أُبرّئ أحداً بعدك» يعطي : لن أُبرئ أحداً من الجماعة الخاصّة التي هي أصحاب العقبة ؛ فالتعبير «أُبرّئ» أي : أُثبت له البراءة مع كونه متورّطاً في عملية الاغتيال المدبّر في العقبة ؛ ولذلك قال بعد ذلك : «فرأيت عيني عمر جاءتا» أي : وقع في دهشة وهلع شديد ، وذلك لكون جواب حذيفة صريح بالتخلّص الذكي ؛ وهو لا يعني تبرئة صافية عن شوب التعريض بالنفي.
مضافاً إلى أنّ الرجل الميت الذي كنّى عنه حذيفة بـ : «فلان» لا بُدّ أن يكون من رجالات الدولة البارزين ؛ حتّى سبّب حصول التساؤل لدى عمر عن حاله عند حـذيفة ، وعن مـدى معرفة حذيفة بجميع أصحاب العقبة ، وإلاّ فكيف لا يعرف ـ و (الإنسان على نفسه بصيرة) (١) ـ أنّه كان منهم أم لم يكن؟!!
فلا بُدّ وأن يكون مصبّ السؤال هو عن مدى معرفة حذيفة بتمام المجموعة.
ومثل هذا التساؤل قد يوحي ويقضي بتورّط السائل ؛ لأنّ البريء لايحصل لديه الشكّ في كونه من مجموعة العقبة ..
والسبب في الشكّ بمعرفة حذيفة بالمجموعة هو أنّ وقت تنفيذ العملية في العقبة كان ليلاً مظلماً ، وكانت الجماعة ملثّمة ، وعندما تصدّى لهم حذيفة وعمّار ورجعوا واختفوا في الناس ظنّوا وحسبوا أنّ حذيفة وعمّار لم يعرفوهم ، لاسيّما وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله نبيّ الرحمة لم يفصح ولم يشهّر بهم بأمر من الله تعالى ، كما جاء في كتب حديث الفريقين وكتب
____________
(١) سورة القيامة ٧٥ : ١٤.