ولكي تتمّ الفائدة من هذا الحديث المتواتر ـ حديث الفرقة الناجية ـ الذي أقرّت بمضمونه جلّ فرق المسلمين ، نذكر بعض النقاط التالية :
الأُولى :
إنّ الكلام في النجاة في الحديث الشريف هو بحسب الاستحقاق والامتثال ، لا بحسب الشفاعة والشفقة الإلهية والرحمة الواسعة ، أي بحسب ما يلزمه حكم العقل باتّباع الأدلّة والبراهين الشرعية والعقلية الأولية ، فإنّ العقل يوجب التجنّب عن التعرّض للسخط الإلهي واحتمال العقوبة الأُخروية ، وإن لم يكن بين استحقاق العقوبة ووقوعها تلازم ؛ لاحتمال الشفاعة ونحوها ، فإنّ التعرّض لمثل العقوبة الأُخروية التي أشفقت منها السماوات والأرض يعدّ من الإلقاء في الهلكة ، هذا فضلاً عن الأصناف الأُخرى لحكم العقل من وجوب شكر المنعم وقبح التمرّد والطغيان على المولى ، وغيرها من أنماط حكم العقل والفطرة.
الثانية :
إنّ المقصود من النجاة في الحديث الشريف هو النجاة من الدخول في النار ومن ذوق حريق العذاب ، لا في النجاة من الخلود فيها ومن دوام العذاب ؛ فإنّ آراء المتكلّمين تكاد تتّفق أنّ الخلود للجاحدين وأهل العناد ، سواء كان الجحود في توحيد الذات أو الصفات ، أو في التشريع والرسالة ، أو في الولاية والإمامة ، أو في الغاية والمعاد ، ونحوها من أُصول الاعتقاد ..
وبعبارة أُخرى : إنّ مفاد الحديث في دخول الجنّة عند الحساب والميزان ، لا في دخول الجنّة بعد أحقاب من العذاب في النار.