والأحياء منهم كانوا منتشرين في الأرض ، إذ لم يشهد منهم الرحبة إلاّ من كان مع أمير المؤمنين في العراق من الرجال دون النساء.
ومع هذا كلّه فقد قام ثلاثون صحابياً ، فيهم اثنا عشر بدرياً ، فشهدوا بحديث الغدير سماعاً من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ..
وربّ قوم أقعدهم البغض عن القيام بواجب الشهادة ، كأنس (١) بن مالك وغيره ، فأصابتهم دعوة أمير المؤمنين عليه السلام.
ولو تسنّى له أن يجمع كلّ مَن كان حيّاً يومئذ من الصحابة رجالاً ونساء ، ثمّ يناشدهم مناشدة الرحبة لشهد له أضعاف الثلاثين ، فما ظنّك لو تسنّت له المناشدة في الحجاز قبل أن يمضي على عهد الغدير ما مضى من الزمن؟!
فتدبّر هذه الحقيقة الراهنة تجدها أقوى دليل على تواتر حديث الغدير.
وحسبك ممّا جاء في يوم الرحبة من السُـنن ما أخرجه الإمام أحمد ـ من حديث زيد بن أرقم في ص ٣٧٠ من الجزء الرابع من مسنده ـ عن أبي الطفيل ، قال : جمع عليّ الناس في الرحبة ثمّ قال لهم : أُنشد الله كلّ
____________
(١) حيث قال له عليّ عليه السلام : ما لك لا تقوم مع أصحاب رسول الله فتشهد بما سمعته يومئذ منه؟! فقال : يا أمير المؤمنين! كبرت سنّي ونسيت. فقال عليّ : إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لا تواريها العمامة ، فما قام حتّى ابيضّ وجهه برصاً ، فكان بعد ذلك يقول : أصابتني دعوة العبد الصالح. انتهى.
قلت : هذه منقبة مشهورة ذكرها الإمام ابن قتيبة الدينوري ، حيث ذكر أنساً في أهل العاهات من كتابه (المعارف) آخر صفحة ١٩٤ ، ويشهد لها ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في آخر صفحة ١١٩ من الجزء الأوّل من مسنده ؛ حيث قال : فقاموا إلاّ ثلاثة لم يقوموا ، فأصابتهم دعوته.