فليسـجدوا لآدم عبادة لله وتقديساً ، وتكريمـاً للأرض ذات الخيرات والبركات ، والمحيا والممات.
ومنه تعرف أيضاً سرّ امتناع إبليس المخلوق من النار عن السجود للأرض (١) ، والعداء والنفرة طبيعي بين النار والأرض ..
الأرض مجمّعة ، والنار مفرّقة ؛ والجمع قوّة ، والفُرقة ضعف.
الأرض باردة معتدلة ، والنار محرقة مشتعلة.
الأرض نموّ وزيادة ، والنار إفناء وإبادة.
الأرض يعيش بها كلّ حيّ ، والنار يهلك بها كلّ حيّ ..
إذاً فليسجد الملائكة لآدم ، وليسجد أبناؤه لله على الأرض ؛ فإنّها أُمّهم البرّة الحنون.
ومن سموّ الأرض على النار وشرفها ـ الذي أشرنا إلى طرف منه ـ ومن بعض نواحيه يتضح لك أيضاً اندفاع مغالطة الشاعر القديم بشّار بن بُرد (٢) في انتصاره لإبليس في تفضيل النار على الأرض بقوله من أبيات :
____________
(١) إشارة لقوله تعالى : (ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين) سورة الأعراف ٧ : ١١ و ١٢.
(٢) هو : بشّار بن بُرد بن يرجوخ ، أصله من طخارستان ـ وهي ناحية كبيرة مشتملة على بلدان على نهر جيحون ممّا وراء النهر ـ من سبي المهلّب بن أبي صُفرة ، وكنيته : أبو معاذ ، ولقبه : المرعّث ، ولد على الرقِ أيضاً وهو أعمى ، فاعتقته امرأة عُقيلية.
كان أكمه جاحظ الحدقتين قد تغشّاهما لحم أحمر ، قال الشعر وهو صغير ابن عشر ، ثمّ أجاد فيه.
كان بشّار ضخماً عظيم الخَلق والوجه ، مجدوراً ، طويلاً ، وهو في أوّل مرتبة المحدّثين من الشعراء المجيدين ، وقد نشأ بالبصرة ، ثمّ قدم بغداد ومدح المهدي بن