لايزيلها إلاّ الماء ، فإذا لم يوجد الماء أو لم يمكن استعماله (فلم تجـدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيّباً) (١) اقصدوا تراباً خالصاً نظيفاً طيّباً ، فامسحوا فيه الجبين الذي هو واليدان أحوج الأعضاء إلى النظافة وإماطة الغبار والأكدار عنهما ؛ لمزاولة اليد للأعمال ، ومباشرتها للأجسام المختلفة في الأسناخ (٢) والأوساخ ؛ فالتراب يقوم مقام الماء ، التراب أخ للماء والأرض أُخته ..
ومطهِّرة من الخبث أُخرى حتّى مع التمكّن من الماء ؛ فتطهّر باطن الحذاء والقدم ، وكثيراً من أمثالها ، كأسفل العصا ونحوها ؛ فلو تنجّس باطن القدم أو الحذاء ومشيت على الأرض خطوات وزالت العين طهرت القدم ولا حاجة إلى تطهيرها بالماء (٣).
فالأرض مسجد ، والأرض طهور ، وإليه قصد الحديث النبويّ المشهور : «جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» (٤) ، أي : أينما أدركتني الصلاة سجدت وصلّيت ، ومتى أعوزني الماء بها تطهّرت ، فهي طاهرة ومطهِّرة.
نعم ، وهي مطهِّرة بما هو أوسع وأدقّ وأعمق معاني التطهير ؛ فإنّ فيها المواد المعقّمة والعناصر المهلكة لجميع جراثيم الأوبئة والأمراض.
____________
(١) سورة النساء ٤ : ٤٣ ، وسورة المائدة ٥ : ٦.
(٢) السناخة : الريح المنتنة ، والوسخ وآثار الدباغ ، وسنخ الدهن والطعام : إذا فسد وتغيّرت ريحه ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٣٨٧ مادة «سنخ».
(٣) راجع : الوسائل ٣ / ٤٥٧ الباب ٣٢ طهارة باطن القدم والنعل والخفّ بالمشي على الأرض ، وقيل : إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً.
(٤) صحيح البخاري ١ / ١٤٩ ح ٢ وص ١٩٠ ح ٩٨ ، صحيح مسلم ٢ / ٦٣ ـ ٦٤ ، كتاب المسجد ومواضع الصلاة ، سُـنن الترمذي ٢ / ١٣١ ح ٣١٧ ، سُـنن أبي داود ١ / ١٢٩ ح ٤٨٩ ، سُـنن النسائي ٢ / ٥٦ ، مسند أحمد ٢ / ٢٤٠ وص ٢٥٠ ، السُـنن الكبرى ٢ / ٤٣٣.