ثمّ تجمع جراثيمها بعد الموت وتميتها (١) ؛ فإنْ تمّت هذه الاستفادة فهي إحدى معجزات القرآن.
وهل ترى أنّ قدماء الفلاسفة ومتأخّريهم من اليونان والهند والفرس ، وغيرهم في ما استخرجوه من خواصّ الأرض ومعادنها وحيوانها قد أحصوا كلّ ما أودعه الصانع الحكيم فيها من الكنوز والرموز والخزائن والدفائن؟!
كلاّ ولا عشر معشار منها ، ولعلّ نسبة ما وصلوا إليه ممّا تمنّع عليهم نسبة الذرّة من الفضاء ، والقطرة من الماء.
ولا يزال العلم والبحث يأتي بالعجائب ، ولا ينهى حتّى تنتهي الدنيا ولن تنتـهي ؛ وإنّما الغـرض الإشارة إلى أنّ هـذه الأرض هي من أعظم آيات الله الباهرة ، نمرّ عليها ليلاً ونهاراً ونحن عنها معرضون ..
____________
(١) قال الرازي : واعلم أنّه تعالى ها هنا ذكر ثلاثة أشياء : (أوّلها) : الأرض ، وإنّما قدّمها ؛ لأنّ أقرب الأشياء إلينا من الأُمور الخارجية هو الأرض ...
ثمّ في المعنى وجوه :
أحدها : أنّها تكفت أحياءً على ظهرها ، وأمواتاً في بطنها ، والمعنى : إنّ الأحياء يسكنون في منازلهم والأموات يُدفنون في قبورهم ، ولهذا كانوا يسمّون الأرض أُمّاً ؛ لأنّها في ضـمّها للناس كالأُمّ التي تضمّ ولدها وتكفله ، ولمّا كانوا يضمّون إليها جُعلت كأنّها تضمّهم.
وثانيها : إنّها كفات الأحياء ، بمعنى أنّها تكفت ما ينفصل من الأحياء من الأُمور المستقذرة ، فأمّا أنّها تكفت الأحياء حال كونهم على ظهرها فلا.
وثالثها : إنّها كفات الأحياء بمعنى أنّها جامعة لِما يحتاج الإنسان إليه في حاجاته من مأكل ومشرب ؛ لأنّ كلّ ذلك يخرج من الأرض ، والأبنية الجامعة للمصالح الدافعة للمضارّ مبنيّـة منها.
ورابعها : إنّ قوله : (أحياءً وأمواتاً) معناه راجع إلى الأرض ، والحيّ ما أنبت ، والميّت ما لم ينبت.
انظر : تفسير الرازي ١٥ / ٢٧٥.