ولو عرفنا اليسير من منافعها وطبائعها لتجلّى لنا أنّها الأُمّ الحنون البارّة بنا ، التي ولدتنا وأرضعتنا من أخلاف (١) نعمها وخيراتها.
وما هذا البشر إلاّ غرس من غرسها ، وشجرة نامية من أشجارها ، أولدتنا على ظهرها ، وغذّتنا من منتوجاتها ، وتردّنا إلى أحشائها.
وفي الحديث النبويّ : «إنّ الأرض برّة بكم ؛ تتيمّمون منها ، وتصلّون عليها في الحياة ، وهي لكم كفات في الممات ، وذلك نعمة من الله وله الحمد» (٢).
وأفضل ما يسجد المصلّي عليه : التربة النقيّة.
وقد نوّه عن بعض تلك المزايا الشاعر الحكيم العربي القديم ، الذي أدرك أوّل بزوغ شمس الإسلام ولم يُسلم ؛ لأنّه كان قد رشّح نفسه للنبوّة ولم تساعده العناية ، وتخطّته إلى من هو أحقّ بها وأجدر ، ذلك أُمية بن أبي الصلت (٣) ، وكان ينظم المطوّلات الرنانة في : السماء ، والعالم ،
____________
(١) الأخلاف ـ جمع خِلف ، بالكسر ـ : وهو الضرع ، وقال ابن فارس : وسمّي بذلك لأنّه يكون خَلفَ ما بعده ، وأخلف الشجر : خرجت له ثمرة بعد ثمرة ؛ انظر : مادّة «خلف» في : النهاية في غريب الحديث ٢ / ٦٨ ، معجم مقاييس اللغة : ٣٢٨ ، لسان العرب ٤ / ١٨٤.
(٢) دعائم الإسلام ـ للقاضي نعمان ـ ١ / ١٧٨ ، مستدرك الوسائل ٢ / ٥٣١ ح ٢٦٤٣.
(٣) أُمية بن عبدالله أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف بن عُقدة ، من بني ثقيف ، أُمّه : رُقية بنت عبد شمس بن عبد مناف : شاعر جاهلي ، حكيم ، من أهل الطائف ، نظر في الكتب وقرأها ، ولبس المسوح ـ وهو لباس المتنسّكين ـ تعبّداً ، وكان ممّن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنفية ـ دين إبراهيم الخليل عليه السلام ـ وحرّم الخمر ، وشكّ في الأوثان ، التمس الدين ، وطمع في النبوّة ؛ لأنّه قرأ في الكتب أنّ نبيّاً يُبعث من العرب ، فكان يرجو أن يكونه ، فلمّا بُعث النبيّ صلى الله عليه وآله قيل له : هذا الذي كنت تستريث ـ أي تستبطئ ـ. فسأل عن خبره فقيل له : يزعم أنّه نبيّ. فخرج حتّى قدم عليه بمكّة ، وسمع منه آيات من القرآن ، وانصرف عنه ، فتبعته قريش تسأله عن رأيه فيه ، فقال : أشهد أنّه على الحقّ. قالوا : فهل تتّبعه؟ فقال : حتّى أنظر في أمره.