القذر الذي يمارسه حثالى وأسافل الناس ، قال تعالى : (ولا تسُبّوا الّذين يدعون من دون الله فيسُبّوا اللهَ عدْواً بغير علم) (١) ، وهو يفترق عن ذكر حقائق الأُمور والأحداث الواقعة في تاريخ المسلمين ، فالسبّ لا يرتبط بها ، وخلط العناوين مثار مغالطة ..
قال عليّ عليه السلام ـ وقد سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام أيام حربهم بصفّين ـ : «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم ، كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبّكم : اللّهمّ احقنْ دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ، حتّى يعرف الحقّ مَن جهله ، ويرعوي عن الغي مَن لهج به» (٢).
فتراه عليه السلام في الوقت الذي ينهى عن السبّ ، يحثّ على وصف أعمالهم وذكر حالهم ، أي استعراض حقائق الأُمور وما عليه أهل الباطل من رداءة العمل ورذيلة الحال ، وبيّن عليه السلام الغاية من ذلك : «حتّى يعرف الحقّ مَن جهله» أي : ليتبيّن طريق الحقّ وأهله وطريق الباطل وأهله ، وتفيق الأجيال من رقدتها وسباتها ، وتبصر الحقّ والهدى ، ولا يصيبها العمى والهذيان ، «ويرعوي عن الغي والعدوان مَن لهج به» أي : ينقطع المسلمون السالكون طريق الغي والعدوان ، ولئلاّ يُدعوْن إلى ذلك الطريق الضال ..
____________
(١) سورة الأنعام ٦ : ١٠٨.
(٢) نهج البلاغة : خطبة ٢٠٦ ؛ ومن الأمانة عند بعضهم أن يورد هذه الخطبة مقتطعاً منها ما يروق له ، وينقلها بهذه الصورة : «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو قلتم مكان سبّكم إيّاهم : اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم ... كان أصوب في القول». فحذف الوسط والذيل وأخّر جملة : [كان أصوب في القول]. «هفت آسمان» ، عدد ١٢ ـ ١٣ ص ٢١٧.