قال عبـد الرحمن : لم يأتنا إلاّ ما قد جاءكم ، ولم نعلم إلاّ ما علمتم.
قال : فما لنا نزهد في الدنيا وترغبون فيها ، ونخفّ في الجهاد وتتشاغلون عنه ، وأنتم سلفنا وخيارنا وأصحاب نبيّنا صلى الله عليه وآله؟!
قال عبـد الرحمن : لم يأتنا إلاّ ما جاءكم ، ولم نعلم إلاّ ما قد علمتم ، ولكنّا بلينا بالضرّاء فصبرنا وبلينا بالسرّاء فلم نصبر» (١).
وهذا النصّ التاريخي يبيّن مدى إقبال وحرص أصحاب السقيفة على الدنيا ، ممّا سبّب الريبة في الدين لدى عامّة الناس ؛ إذ يرون جملة من الصحابة التي كانت تحيط بالنبيّ صلى الله عليه وآله هم رؤوس للأطماع الدنيوية ، ومن ثمّ كان أحد الأسباب الكبرى لتمرّد أو ردّة القبائل العربية هو مشاهدتهم خيانة صحابة الرسول صلى الله عليه وآله لعهد الله ورسوله في الاِمارة لعليّ عليه السلام.
وكتب عمر إلى عياض بن غنم بأنّه : قد بلغه أنّ يزيد بن أبي سفيان أرسل إليه مدداً بقيادة بسر بن أرطأة إلاّ أنّه رفض المدد ..
فأجابه عياض : أنّ بسر بن أرطأة قد طالبه بجزء من غنائم مدينتي الرقّة والرها ، فقال له : لا حقّ لك بالغنائم ؛ لأنّهما فتحتا قبل وصوله ، ووعده بالشركة في غنائم الفتوح اللاحقة. فرفض بسر بن أرطأة ولم يرض ، وخشي عياض أن يحصل شيء من التمرّد واختلاف قلوب العساكر ، فأمره بالعودة (٢).
ولمّا فتح المسلمون بعض مدن فارس ، كالسوس وتستر ، اختصم أهل البصرة وأهل الكوفة حتّى كاد أن يقع بينهم شيء من المكروه (٣).
____________
(١) البدايه والنهايه ـ لابن كثير ـ ٤ / ٧٧.
(٢) كتاب الفتوح ١ / ٢٥٥.
(٣) كتاب الفتوح ١ / ٢٨٦.