فوقف صاحب هذه الرسالة الخاتمة أمام هؤلاء ليواجههم بأساليب جديدة للمعالجة ووسائل ناجحة ومتميّزة ، وإعدادهم لمقارعة تلك المفاهيم والتوجّهات الجاهلية ، فنجح في ذلك كلّه وأرسى دعائم الرسالة وقيمها السامية ، فارتقى بهم إلى مدارج الكمال وحوّلهم إلى خير أُمّة أُخرجت للناس فجعلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..
وقبل أن يلتحق الرسول صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى وضّح للأُمّة المنهج الذي تنتهجه بعده ، والخليفة المؤهّل الذي سيكون بعده صلى الله عليه وآله قائداً مقتدراً لهذه الأُمّة ليوصلها إلى شاطىَ النجاة ، ولم يتركها هملاً بدون هادٍ ومرشـد ؛ إذ كان متيقّناً من وجود مَن سيخالفه ، من خلال ظهور بوادر هذا الخلاف في حياته صلى الله عليه وآله ..
فهذا خالد بن الوليد أرسله داعياً لبني جذيمة ولم يرسله مقاتلاً ولكنّ خالد وضع السيف فيهم ليأخذ بثأر عمّه بن المغيرة عندما قتلوه في الجاهليّة ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام ليعطي الدية لهم.
وهذا عمر بن الخطّاب يعترض على النبيّ صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية ، كما خالف هو مع أبي بكر رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يطيعاه عندما أمرهما بقتل الرجل المارق الذي كان يصلّي ، كما أنّهما هربا أكثر من مرّة من الزحف ، وخير مصداق لذلك هو تخلّفهما عن جيش أُسامة ، بل طعنوا حتّى في إمرته.
وأبرز خلاف ظهر بشكل علني بين المسلمين هو قبيل رحيل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، وهو الذي بدأه عمر بن الخطّاب حينما طلب النبيّ صلى الله عليه وآله من الحاضرين أن يأتوه بدواة وكتف ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً ، فقال عمر : إنّ الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله.