وافترق المسلمون فرقتين ، إحداهما امتثلت قول عمر ، والأُخرى قالت بوجوب تنفيذ طلبه صلى الله عليه آله ، فكثر اللغط والاختلاف حتّى قال صلى الله عليه وآله : «قوموا عنّي ، لا ينبغي التنازع عندي».
فخـرج ابن عبّـاس يقـول : إنّ الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين كتابه (١).
وغير ذلك من المخالفات منهما ومن بعض الصحابة.
لكن مع كلّ هذا نجد أنّه صلى الله عليه وآله كان واقفاً على خطورة الموقف ، وعظم مقام القيادة ؛ إذ كان يعرِّف للأُمّة إمامها وقائدها والقائم بأعباء الخلافة والاِمامة من بعده حيناً بعد آخر ، وبأساليب متعدّدة مختلفة ..
فتارة يشبّهه بهارون عليه السلام (٢).
وأُخرى يجعله وأولاده : أحد الثقلين والعِدْل للقرآن (٣).
وثالثة بأنّهم كسفينة نوح (٤).
إلى غير ذلك من النصوص الجليّة والواضحة التي تؤكّد وتشير إلى حقيقة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يترك خلافة وإمامة الأُمّة سـدىً ، ولم يفوّضها إلى شورى الأُمّة ومفاوضاتها أو منافساتها ، أو إلى بيعة شخص معيّن ، بل عالجها في حياته بأنجح الطرق وأفضلها ، وبأحسن الأساليب ..
____________
(١) الطبقات ـ لابن سعد ـ ٢ / ٢٤٤ ، صحيح البخاري ١ / ٣٩ كتاب العلم ـ باب ٣٩ ، صحيح مسلم ٣ / ١٢٥٩ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٢٢.
(٢) المعجـم الكبير ـ للطبراني ـ ٤ / ١٨٤ ح ٤٠٨٧ ، حلية الأولياء ٧ / ١٩٦ ، المناقب ـ للمغازلي ـ : ٢٧ ـ ٣٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٠٠ ح ٨٤٤٨.
(٣) مسند أحمد ٣ / ١٤ ، المسترشد : ٥٥٩ ، المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ ٣ / ١٠٩ ، المناقب ـ للمغازلي ـ : ٢٣٤.
(٤) العمدة ـ لابن البطريق ـ : ٣٥٨ ح ٦٩٣ ـ ٦٩٧ ، تاريخ بغداد ١٢ / ٩١ ، المستدرك على الصحيحين ـ للحاكم ـ ٣ / ١٥٠ ، الصواعق المحرقة : ٢٣٤.