وما الذي نقموا من أبي الحسن؟! نقموا منه والله نكير سيفه ، وقلّة مبالاته بحتفه ، وشـدّة وطأته ونكال وقعته ، وتنّمره في ذات الله ، وتالله لومالوا عن المحجّة اللائحة ، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة ، لردّهم إليها ، ولحملهم عليها ، ولسار بهم سيراً سجحاً ، لا يُكلم خشاشه ، ولا يكلّ سائره ، ولا يملّ راكبه ، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً فضفاضاً ، تطفح ضفتاه ولا يترنّق جانباه ، ولأصدرهم بطاناً ، ونصح لهم سرّاً وإعلاناً ، ولم يكن يحكي من الغنى بطائل ـ أي : لا يجمع لنفسه الثروة ـ ولا يحظى من الدنيا بنائل ، غير ريّ الناهل ، وشبعة الكافل ، ولبان لهم ـ أي : لظهر لهم ـ الزاهد من الراغب ، والصادق من الكاذب ، (ولو أنّ أهلَ القرى آمنوا واتّقوْا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) (١) ...
استبدلوا والله الذنابى بالقوادم ، والعجز بالكاهل ... ويحهم! (أفمن يهدي إلى الحقّ أحقُّ أن يُتّبعَ أمّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون) (٢) ...».
وبعد أن أوضحت تصوير حال الفتنة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله أخذت سلام الله عليها في تصوير المستقبل المتوقّع للأُمّة الاِسلامية بسبب هذا الانحراف الذي قامت به بعض رجالاتها ، فقالت :
«أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثمّ احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً ، وذعافاً مبيداً ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غبّ ماأسّس الأوّلون ، ثمّ طيبوا عن دنياكم نفساً ، واطمئنوا للفتنة جأشاً ،
____________
(١) سورة الأعراف ٧ : ٩٦.
(٢) سورة يونس ١٠ : ٣٥.