متدافعتين ..
فأبو سفيان ـ وغيره من الحزب القرشي في مكّة ـ كان يقيم علاقة في أوائل الهجرة مع عبـد الله بن أبي سلول في المدينة ، الذي أسلم في الظاهر وكان من رؤوس النفاق ، ولم يقم مثل هذه العلاقة مع مَن أسلم في مكّة في الأيام الأُولى ؛ لاختراق صفوف ونظام الاِسلام والمسلمين ، واعتماداً على هذه السياسة ، تحسّباً لنتائج المستقبل من أنّ القوّة والسلطة في الجزيرة قد تقع في يد صاحب هذا الدين الجديد.
لقد كانت القبائل النائية عن مكّة تتطلّع إلى ذلك ، فكيف لا تتطلّع قريش إليه ؛ يقول الطبري : «وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يعرض نفسه في الموسم إذا كان على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ، ويخبرهم أنّه نبيّ مرسل ، ويسألهم أن يصدّقوه ويمنعوه حتّى يبيّن عن الله ما بعثه به ...
حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا سلمة ، قال : قال محمّـد بن إسحاق : وحدّثني محمّـد بن مسلم بن شهاب الزهري : أنّه أتى بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه ، فقال رجل منهم يقال له : بيحرة بن فراس : والله لو أنّي أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب. ثمّ قال له : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثمّ أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟!
قال : الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء.
قال : فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرت كان الأمر لغيرنا؟! لا حاجة لنا بأمرك. فأبوا عليه» (١).
____________
(١) تاريخ الطبري ٢ / ٨٣ ـ ٨٤.