الفراء : جاء في التفسير فلم يكن لهم ناصر حتّى أهلكناهم ، قال : فيكون «فلا ناصر لهم» اليوم من العذاب.
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) (١٤)
(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) على اللفظ ولو كان على المعنى لقيل : كانوا على بيّنة من ربهم ، وكذا (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) ولم يقل : لهم سوء أعمالهم ، وبعده (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) على المعنى ، ولو كان على اللفظ لكان واتّبع هواه.
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (١٥)
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) وفي معناه أربعة أقوال : قال محمد بن يزيد : قال سيبويه (١) : أي فيما يتلى عليكم ويقصّ عليكم مثل الجنة ، وقال يونس : مثل بمعنى صفة ومثله فيما ذكرناه (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) [إبراهيم : ١٨] قال محمد بن يزيد : وكلا القولين حسن جميل وقال الكسائي : مثل الجنّة كذا وفيها كذا ولهم فيها كذا (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) أي مثل هؤلاء في الخير كمثل هؤلاء في الشرّ أي هؤلاء كهؤلاء. والقول الرابع عن أبي إسحاق قال : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) تفسير لقوله جلّ وعزّ : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [الحج : ١٤] ثم فسّر تلك الأنهار فالمعنى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) مما قد عرفتموه في الدنيا من الجنات والأنهار جنّة (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) وفي قراءة أهل مكة فيما ذكره أبو حاتم (غَيْرِ آسِنٍ) (٢) على فعل يقال : أسن الماء يأسن ويأسن أسنا وأسونا فهو آسن وأسن يأسن أسنا فهو أسن ، وتحذف الكسرة لثقلها ، فيقال : أسن ، إذا أنتن. فإن تغيّر قالوا أجن الماء يأجن ويأجن (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) نعت خمر بمعنى ذات لذة ويجوز لذّة نعت لأنهار ، ويجوز النصب على المصدر ، كما تقول : هو لك هبة. (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) الكاف في موضع رفع وهي مرافعة كمثل عند الكسائي كما بيّنّا ، وأما الفراء (٣) فالتقدير عنده : أمن هو في هذه الجنات كمن هو خالد في النار (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) جمع معى وهو يذكّر ويؤنّث. وروى أبو أمامة الباهلي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قول الله جلّ وعزّ : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) قال : «إذا قرّب منه تكرّهه ، وإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه ولحم وجهه فيه ، فإذا شربه قطّع أمعاءه وخرج من دبره» (٤).
__________________
(١) انظر الكتاب ١ / ١٩٦.
(٢) انظر تيسير الداني ١٦٢.
(٣) انظر معاني الفراء ٣ / ٦٠.
(٤) انظر البحر المحيط ٨ / ٧٩.