(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (١٩)
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) أي شدّته وغلبته على فهم الإنسان حتّى يكون كالسكران من الشراب أو النوم. (بِالْحَقِ) أي بأمر الآخرة الذي هو حقّ حتّى يتبيّنه عيانا ، وقول أخر أن يكون الحقّ هو الموت أي وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت. وصحّ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ وجاءت سكرة الحقّ بالموت (١) وكذا عن عبد الله بن مسعود رحمة الله عليه. قال : وهذه قراءة على التفسير. وفي معناها قولان : يكون الحقّ هو الله جلّ وعزّ أي وجاءت سكرة الله بالموت ، والقول الآخر قول الفراء تكون السّكرة هي الحق ، وجاءت السكرة الحقّ أضيف الشّيء إلى نفسه. (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي تلك السكرة ما كنت منه تهرب. فأما التذكير فبمعنى ذلك السّكر.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) (٢٠)
أي ما وعد الله عزوجل الكفار وأصحاب المعاصي بالنار.
(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) (٢١)
محمول على المعنى ، ولو كان على اللفظ لكان وجاء كلّ نفس معه والتقدير ومعها حذفت الواو للعائد ؛ والجملة في موضع نصب على الحال.
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٢٢)
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) اختلف أهل العلم في هذه المخاطبة لمن هي فقالوا فيها ثلاثة أقوال : قال زيد بن أسلم وعبد الرحمن بأنّ هذه المخاطبة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وحكى عبد الله بن وهب عن يعقوب عن عبد الرحمن قال : قلت لزيد بن أسلم وهذه المخاطبة للنبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : ما أنكرت من هذا وقد قال الله سبحانه : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٦ ، ٧]. قال : فهذا قول ، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) قال : هذا مخاطبة للكفار ، وكذا قال مجاهد ، وقال الضحاك : مخاطبة للمشركين ؛ وقال صالح بن كيسان بعد أن أنكر على زيد بن أسلم ما قاله ، وقال : ليس عالما بكلام العرب ولا له وإنما هذه مخاطبة للكفار. فهذان قولان ، والقول الثالث ما قاله الحسن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : هذا مخاطبة للبرّ والفاجر ، وهو قول قتادة. قال أبو جعفر : أما قول زيد بن أسلم فتأويله على أن الكلام تم عنده عند قوله جلّ وعزّ : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) (٢١)
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٧٨ ، والمحتسب ٢ / ٢٨٣.