على لغة من قال : زيدا ضربته. وفي نصبه قولان آخران : أما الكوفيون فقالوا : «إنّا» تطلب الفعل والفعل بها أولى من الاسم ، والمعنى إنا خلقنا كلّ شيء ، قالوا : وليس هذا مثل قولنا : زيدا ضربته : لأنه ليس هاهنا حرف هو بالفعل أولى. ألا ترى أنك تقول : أزيدا ضربته فيكون النصب أولى : لأن هاهنا حرف هو بالفعل أولى والقول الثالث أنه إنما جاز هذا بالنصب وخالف زيد ضربته ليدل ذلك على خلق الأشياء فيكون فيه ردّ على من أنكر خلق الأفعال.
(وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (٥٠)
(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) مبتدأ وخبره. وقال علي بن سليمان : المعنى إلّا أمرة واحدة. وزعم الفراء : أنه روي (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) (١) بالنصب كما يقال : ما فلان إلّا ثيابه ودابّته أي إلّا يتعهّد ثيابه ودابته وكما حكى الكسائي : ما فلان إلّا عمّته أي يتعهّد عمّته. (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) أي في سرعته.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٥١)
فيه قولان : أحدهما أن أشياعهم هم الذين أهلكوا من قبلهم لأنهم كفروا كما كفروا فهل من متّعظ بذلك ، وسمّوا أشياعهم لأنهم كذّبوا كما كذّبوا. والقول الآخر أن أشياعهم هم الذين كانوا يعاونونهم على عداوة النبيّ صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين فأهلكوا فهل من متّعظ منكم بذلك. والقول الأول عليه أهل التأويل.
(وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) (٥٢)
الهاء في فعلوه تعود على الأشياع في الزبر مكتوب عليهم قد كتبته الحفظة.
(وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (٥٣)
يقال : سطر واستطر إذا كتب سطرا.
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) (٥٤)
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ) أي الذين اتقوا عقاب الله جلّ وعزّ باجتناب محارمه وأداء فرائضه (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) قال أبو إسحاق : «نهر» بمعنى أنهار. قال أبو جعفر : وأنشد الخليل وسيبويه : [الرجز]
٤٤٦ ـ في حلقكم عظم وقد شجينا(٢)
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١١١.
(٢) الرجز بلا نسبة في الكتاب ١ / ٢٧٠ ، ولطفيل في جمهرة اللغة ص (١٠٤١) ، والمحتسب ٢ / ٨٧ ، وللمسيب بن زيد مناة في شرح أبيات سيبويه ١ / ٢١٢ ، ولسان العرب (شجا) ، وبلا نسبة في خزانة ـ