الجماعة الذين تقوم بهم الحجّة على خلافها ، ومنها أنّ المعنى على الرفع في قول أهل التفسير والمحقّقين من أهل العربية. فأما أهل التفسير فإن ابن عباس قال : خفضت أناسا ورفعت آخرين فعلى هذا لا يجوز إلّا الرفع : لأن المعنى خفضت قوما كانوا أعزاء في الدنيا إلى النار ورفعت قوما كانوا أذلّاء في الدنيا إلى الجنة ، فإذا نصب على الحال اقتضت الحال جواز أن يكون الأمر على غير ذلك كما أنك إذا قلت : جاء زيد مسرعا ، فقد كان يجوز أن يجيء على خلاف هذه الحال ، وقال عكرمة والضحّاك : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) خفضت فأسمعت الأدنى ، ورفعت فأسمعت الأقصى فصار الناس سواء. قال أبو جعفر : وأما أهل العربية فقد تكلّم منهم جماعة في النصب. فقال محمد بن يزيد : لا يجوز ، وقال الفرّاء (١) : يجوز بمعنى إذا وقعت الواقعة وقعت خافضة رافعة فأضمر وقعت وهو عند غيره من النحويين بعيد قبيح ، ولو قلت : إذا جئتك زائرا ، تريد إذا جئتك جئتك زائرا. لم يجز هذا الإضمار ؛ لأنه لا يعرف معناه ، وقد يتوهّم السامع أنه قد بقي من الكلام شيء. وأجاز أبو إسحاق النصب على أن يعمل في الحال «وقعت» ، قد بيّنا فساده على أن كل من أجازه فإنه يحمله على الشذوذ فهذا يكفي في تركه.
(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) (٥)
(إِذا) في موضع نصب. قال أبو إسحاق : المعنى إذا وقعت الواقعة في هذا الوقت ، (رَجًّا) مصدر ، وكذا (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) (٥).
(فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) (٦)
(هَباءً) خبر كان. (مُنْبَثًّا) من نعته. وأصحّ ما قيل في معناه ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : الهباء المنبثّ رهج الدواب ، وعن ابن عباس هو الغبار ، وعنه هو الشرر الذي يطير من النار.
(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) (٧)
عن ابن عباس قال : أصنافا ثلاثة. قال أبو إسحاق : يقال للأصناف التي بعضها مع بعض أزواج واحدها زوج ، كما يقال : زوج من الخفاف لأحد الخفّين.
(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) (٩)
(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) رفع الابتداء. (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) مبتدأ وخبره في موضع خبر الأول ، وقيل : التقدير ما هم فلذلك صلح أن يكون خبرا عن الأول لمّا عاد عليه ذكره وكذا (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) [القارعة : ١ ، ٢] يظهر الاسم على سبيل التعظيم
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٢١.