قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود ، قال : يحشر النّاس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله جلّ وعزّ عليها فيؤمر مناد أن ينادي لمن الملك اليوم؟ فهذا قول بيّن. فأما أن يكون هذا والخلق غير موجودين فبعيد ؛ لأنه لا فائدة فيه. والقول الأول صحيح عن ابن مسعود ، وليس هو مما يؤخذ بالقياس ، ولا بالتأويل والمعنى على قوله فينادي مناد يوم القيامة ليقرّر الناس لمن الملك اليوم فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم : لله الواحد القهّار فيقول المؤمنون هذا سرورا وتلذاذا ، ويقول الكافرون هذا رغما وانقيادا وخضوعا.
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (١٨)
(إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) نصبت كاظمين على الحال وهو محمول على المعنى. قال أبو إسحاق : المعنى : إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم ، وأجاز الفراء (١) أن يكون التقدير : وأنذرهم كاظمين على أنه خبر القلوب ، وقال : لأن المعنى إذ هم كاظمين. وقال الكسائي : يجوز رفع كاظمين على الابتداء (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) أي قريب (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) من نعت شفيع أي ولا شفيع يسأل فيجاب.
(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) (١٩)
(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ). قال أبو إسحاق : أي من نظر ونيّته الخيانة ، وقال الفراء : يعلم خائنة الأعين النظرة الثانية (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) النظرة الأولى.
(وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (٢٠)
(إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) «هو» زائدة فاصلة ، ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء وما بعدها خبر عنها والجملة خبر «إنّ».
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) (٢١)
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) عطف على يسيروا في موضع جزم ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على أنه جواب ، والجزم والنصب في التثنية والجمع واحد. (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) اسم كان والخبر في كيف. (واقٍ) في موضع خفض معطوف على اللفظ ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على الموضع فرفعه وخفضه واحد لأن الياء تحذف وتبقى الكسرة دالّة عليها.
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٦.