(وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) قيل : معنى الظاهر الذي ظهرت صنعته وحكمته ، وقيل العالم بما ظهر وما بطن. ومن أحسن ما قيل فيه أنه من ظهر أي قوي وعلا ، فالمعنى الظاهر على كل شيء العالي فوقه فالأشياء دونه. الباطن جميع الأشياء فلا شيء أقرب إلى شيء منه ، ومثله (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] ويدلّ على هذا أن بعده (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي لا يخفى عليه شيء.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٤)
يكون (الَّذِي) في موضع رفع على إضمار مبتدأ لأنه أول آية. قال : ويجوز أن يكون نعتا لما تقدم ويجوز أن يكون في موضع نصب على المدح أعني بهذا المدح الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش. (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) يقال : ولج يلج إذا دخل. والأصل يولج حذفت الواو لأنها بين ياء وكسرة. (وَهُوَ مَعَكُمْ) نصب على الظرف ، والعامل فيه المعنى أي وهو شاهد معكم حيث كنتم. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي بما تعملونه من حسن وسيّئ وطاعة ومعصية حتّى يجازيكم عليها.
(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٥)
(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي سلطانهما فأمره وحكمه نافذ فيهما (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي إليه مصيركم ليجازيكم بأعمالكم.
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٦)
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) أي نقصان الليل في النهار فتكون زيادة (وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) يدخل نقصان النهار في الليل فتكون زيادة فيه ، كما قال عكرمة وإبراهيم هذا في القصر والزيادة ولم يحذف الواو من يولج وهي بين ياء وكسرة لأن الفعل رباعي لا يجوز أن يغير هذا التغيير (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما تخفونه في صدوركم من حسن وسيئ أو تهمّون به في أنفسكم. وفي الحديث «إنّ الدعاء يستجاب بعد قراءة هذه الآيات السّت» (١).
(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (٧)
أي يخلفون من كان قبلهم ، وحضّهم على الإنفاق لأنهم يفنون كما فني الذين من
__________________
(١) انظر تفسير القرطبي ١٧ / ٢٣٥.