أن لا تنفقوا في سبيل الله (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فحضّهم بهذا على الإنفاق ؛ لأنهم يموتون ويخلّفون ما بخلوا به ويورّثونه. (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) اختلف العلماء في معنى هذا الفتح فقال قتادة : الذين أنفقوا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل فتح مكة وقاتلوا ، أفضل من الذين أنفقوا من بعد فتح مكة وقاتلوا ، وكذا قال زيد بن أسلم ، وقال الشّعبي : الذين أنفقوا قبل الحديبية وقاتلوا أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد فتح الحديبية وقاتلوا. قال أبو جعفر : وهذا القول أولى بالصواب ؛ لأن عطاء بن يسار روى عن أبي سعيد الخدري قال : قال لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم فتح الحديبية : «يأتون أقوام تحقرون أعمالكم مع أعمالهم» قلنا : يا رسول الله أمن قريش هم؟ قال : «لا هم أهل اليمن أرقّ أفئدة وألين قلوبا». قلنا : يا رسول الله أهم خير منا؟ قال «لا لو أنّ لأحدهم جبل ذهب ثم أنفقه ما بلغ مدّ أحدكم ولا نصيفه. هذا فضل ما بعيننا وبين الناس» (١) (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ). حكى أبو حاتم وكلّ وعد الله الحسنى (٢) بالرفع. قال أبو جعفر : وقد أجاز سيبويه مثل هذا على إضمار الهاء ، وأنشد : [المتقارب]
٤٦٤ ـ فثوب نسيت وثوب أجرّ(٣)
وأبو العباس محمد بن يزيد لا يجيز هذا في منثور ولا منظوم إلّا أن يكون يجوز فيه غير ما قدّره سيبويه ، وهو أن يكون الفعل نعتا فيكون التقدير : فثمّ ثوب نسيت فعلى هذا لا يجوز في ثوب إلّا الرفع ، ولا يجيز زيد ضربت ؛ لأنه ليس فيه شيء من هذا فيكون كلّ بمعنى وأولئك كلّ وعد الله فيكون نعتا. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) مبتدأ وخبره أي من إنفاق وبخل حتّى يجازيكم عليه.
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (١١)
(مَنْ) في موضع رفع بالابتداء و (ذَا) خبره و (الَّذِي) نعت لذا وفيه قولان آخران: أحدهما أن يكون «ذا» زائدا مع الذي ، والقول الآخر أن يكون «ذا» زائدا مع
__________________
(١) انظر المعجم المفهرس لونسنك ١ / ٤٨٧.
(٢) انظر تيسير الداني ١٦٩.
(٣) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٥٩ ، والكتاب ١ / ١٣٩ ، والأشباه والنظائر ٣ / ١١٠ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٧٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٦٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٤٥ ، وبلا نسبة في المحتسب ٢ / ١٢٤ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٧٢ ، وصدره :
«فأقبلت زحفا على الرّكبتين»