«بشراكم» في موضع رفع بالابتداء «جنات» خبره ، وأجاز الفرّاء : في «جنّات» النصب من جهتين ، إحداهما على القطع ويكون اليوم في موضع الخبر وإن كان ظرفا ، وأجاز رفع «اليوم» على أنه خبر «بشراكم» ، وأجاز أن يكون «بشراكم» في موضع نصب يعني يبشّرونهم بالبشرى ، وأن ينصب «جنات» «بالبشرى» قال أبو جعفر : ولا نعلم أحدا من النحويين ذكر هذا غيره وهو متعسّف لأن (جَنَّاتٌ) إذا نصبها على القطع ، وليست بمعنى الفعل بعد ذلك وإن نصبها بالبشرى ، فإن كان نصبها ببشراكم فهو خطأ بين ، لأنها داخلة في الصلة فيفرق بين الصلة والموصول باليوم ، وليس هو في الصلة ، وهذا لا يجوز عند أحد النحويين ، وإن نصبت «جنات» بفعل محذوف فهو شيء متعسّف ومع هذا فلم يقرأ به أحد ، (خالِدِينَ) نصب على الحال. (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). قال الفرّاء (١) : وفي قراءة عبد الله ذلك الفوز العظيم ليس فيها «هو». قال أبو جعفر : «ذلك» مبتدأ ، و «هو» زائدة للتوكيد. (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) خبر ذلك ، ويجوز أن يكون «هو» مبتدأ ثانيا والجملة خبر ذلك.
(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) (١٣)
نصبت يوما على الظرف أي وذلك الفوز العظيم في ذلك اليوم ، ويجوز أن يكون بدلا من اليوم الذي قبله ، (انْظُرُونا) من نظر ينظر بمعنى النظر. وهذه القراءة البيّنة. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة. وأنظرونا (٢) بفتح الهمزة ، وزعم أبو حاتم أن هذا خطأ ، قال : وإنما يأتينا هذا من شقّ الكوفة. قال أبو جعفر : وسمعت علي بن سليمان يقول : إنما لحن حمزة في هذا لأن الذي لحنه قدّر «أنظرنا» بمعنى أخّرنا وأمهلنا ، فلم يجز ذلك هاهنا. وهو عندي يحتمل غير هذا ؛ لأنه يقال : أنظرني بمعنى تمهّل عليّ وترفّق ، فالمعنى على هذا يصحّ. (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) مجزوم لأنه جواب. (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) أي قال المؤمنون للمنافقين ارجعوا إلى الموضع الذي كنا فيه فاطلبوا ثمّ النور. قال أبو جعفر : وشرح هذا ما روي عن ابن عباس قال : يغشى الناس ظلمة المؤمنين والمنافقين والكافرين ، فيبعث الله جلّ وعزّ نورا يهتدي به المؤمنون إلى الجنة فإذا تبعه المؤمنون تبعهم المنافقون ، فيضرب الله جلّ وعزّ بينهم بسور باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، فينادي المنافقون المؤمنين (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) فيقول لهم المؤمنون : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) إلى الموضع الذي كنا فيه وفيه الظلمة فجاء النور
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٣٣.
(٢) انظر تيسير الداني ١٦٩ (قرأ حمزة «انظرون» بقطع الهمزة وفتحها في الحالين وكسر الظاء والباقون بالألف الموصولة ويبتدئونها بالضمّ وضمّ الظاء).