الفراء (١) مجازا جعل كتب بمعنى «قال» أي الله لأغلبنّ أنا ورسلي أي من حادّنا ، «ورسلي» معطوف على المضمر الذي في «لأغلبن» و «أنا» توكيد. قال أبو جعفر : وهذه اللغة الفصيحة ، وأجاز النحويون جميعا في الشعر : لأقومنّ وزيد ، وأجاز الكوفيون وجماعة من أهل النظر أن يعطف على المضمر المرفوع من غير توكيد ؛ لأنه يتّصل وينفصل فخالف المضمر المخفوض (إِنَ) (٢) (اللهَ قَوِيٌ) أي ذو قوّة وقدرة على أن كتب فيمن خالفه وخالف رسله (عَزِيزٌ) في انتقامه لا يقدر أحد أن ينتصر منه.
(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢٢)
أصحّ ما روي في هذا أنه نزل في المنافقين الذين والوا اليهود لأنهم لا يقرّون بالله جلّ وعزّ على ما يجب الإقرار به ولا يؤمنون باليوم الآخر فيخافون العقوبة و (يُوادُّونَ) في موضع نصب لأنه خبر تجد أو نعت لقوم. (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أي ولو كان الذين حادّوا الله ورسوله آباءهم ، جمع أب على الأصل ، والأصل فيه أبو والتثنية أيضا على الأصل عند البصريين لا غير ، وحكى الكوفيون : جاءني أبان (أَوْ أَبْناءَهُمْ) جمع ابن على الأصل والأصل فيه : بني الساقط منه ياء ، والساقط من أب واو فأما أب فقد دل عليه التثنية وأما ابن فدلّ عليه الاشتقاق. قال أبو إسحاق : هو مشتقّ من بناه أبوه يبينه. قال أبو جعفر : وقد غلط بعض النحويين فقال : الساقط منه واو ؛ لأنه قد سمع البنوة. (أَوْ إِخْوانَهُمْ) جمع أخ على الأصل ، كما تقول : ورل وورلان (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) قيل : هو مجاز ، و «في» بمعنى اللام أي كتب لقلوبهم الإيمان ، وقد علم أن المعنى كتب لهم ، وقيل : هو حقيقة أي كتب في قلوبهم سمة الإيمان ليعلم أنّهم مؤمنون (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) قيل : بنور وهدى وقيل بجبرائيل صلىاللهعليهوسلم ينصرهم ويؤيّدهم ويوفّقهم (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) على الحال. (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) أي بطاعتهم في الدنيا. (وَرَضُوا عَنْهُ) بإدخالهم الجنة. (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ) أي جنده وجماعته. وتحزّب القوم تجمّعوا (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قيل : أي الذين ظفروا بما أرادوا.
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٤٢.
(٢) انظر تيسير الداني ١٧٠ (فتحها نافع وابن عامر).