(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) أي تأبون أن تتمنوه. (الَّذِي) في موضع نصب نعت للموت. (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) خبر إن وجاز أن تدخل الفاء ولا يجوز : إنّ أخاك فمنطلق لأن في الكلام معنى الجزاء ، وأجاز الكوفيون (١) : إنّ ضاربك فظالم ؛ لأن في الكلام معنى الجزاء عندهم ، وفيه قول أخر ويكون الذي تفرون منه خبر إن الموت هو الذي تفرون منه (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) عطف جملة على جملة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) عطف على تردون.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٩)
وقرأ الأعمش (الْجُمُعَةِ) (٢) بإسكان الميم ولغة بني عقيل «من يوم الجمعة» بفتح الميم فمن قرأ (الْجُمُعَةِ) (٣) قدّره تقديرات منها أن يكون الأصل الجمعة ثمّ حذف الضمة لثقلها ، ويجوز أن تكون هذه لغة بمعنى تلك ، وجواب ثالث يكون مسكنا لأن التجميع فيه فهو يشبه المفعول به كما يقال : رجل هزأة أي يهزأ به ولحنة أي يلحن ومن قال : (الْجُمُعَةِ) نسب الفعل إليها أي يجمع للناس ، كما يقال : رجل لحنة أي يلحّن الناس وقراء أي يقرئ الناس. (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) قال قتادة : أي بقلوبكم وأعمالكم أي امضوا (وَذَرُوا الْبَيْعَ) ولا يقال في الماضي : وذر. قال سيبويه (٤) : استغنوا عنه بترك ، وقال غيره : لأن الواو ثقيلة فعدّلوا إلى ترك ؛ لأن معناه (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) أي السعي إلى ذكر الله. قال سعيد بن المسيب : وهي الخطبة خير لكم من البيع والشراء. قال الضحّاك : إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء ، وقال غيره : ظاهر القرآن يدلّ على أن ذلك إذا أذّن المؤذّن والإمام على المنبر. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ما فيه منفعتكم ومضرتكم.
(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٠)
أي صلاة الجمعة. (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) أي أن شئتم يدلّ على ذلك ما قبله ، وإن أهل التفسير قالوا : هو إباحة وفي الحديث عن أنس بن مالك مرفوعا (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) قال أبو جعفر : لعيادة مريض أو شهود جنازة أو زيارة أي في الله.
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٥٦.
(٢) وهذه قراءة أبي عمرو وزيد بن علي أيضا ، وهي لغة تميم ، انظر البحر المحيط ٨ / ٢٦٤.
(٣) هذه قراءة الجمهور بضم الميم ، انظر البحر المحيط ٨ / ٢٦٤.
(٤) انظر الكتاب ٤ / ٢٢٦.