(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (٣)
(فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) وحذف المفعول أي نبّأت به صاحبتها ، وهما عائشة وحفصة لا اختلاف في ذلك ، واختلفوا في الذي أسرّه إليها فقيل : هو الذي خبّرها به من شربه العسل عند بعض أزواجه ، وقيل : هو ما كان بينه وبين أم إبراهيم ، وقيل : هو إخباره إياها بأن أبا بكر الخليفة بعده ؛ وقد ذكرناه بإسناده. (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) وحذف المفعول أيضا عرّفها بعضه فقال : قد عرفت كذا بالوحي (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) فلم يذكره تكرّما واستحياء ، وقراءة الكسائي عرف بعضه (١) وردّها أبو عبيد ردا شنيعا ، قال : لو كان كذا لكان عرف بعضه وأنكر بعضا. قال أبو جعفر : وهذا الردّ لا يلزم ، والقراءة معروفة عن جماعة منهم أبو عبد الرحمن السلمي. وقد بيّنّا صحّتها. (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) نبّأ وأنبأ بمعنى واحد فجاء باللغتين جميعا وبعده (قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ).
(إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ)(٤)
(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) أي مالت إلى محبة ما كرهه النبيّ صلىاللهعليهوسلم من تحريمه ما أحلّ له. (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) والأصل تتظاهرا أدغمت التاء في الظاء ، وقرأ الكوفيون تظاهرا (٢) بحذف التاء ، (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) أي وليه بالنصرة. (وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) واختلفوا في صالح المؤمنين فمن أصحّ ما قيل فيه : إنه لكل صالح من المؤمنين ، ولا يخصّ به واحد إلّا بتوقيف ، وقد روي أنه يراد به عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، وهو كان الداخل في هذه القصة المتكلّم فيها ، ونزل القرآن ببعض ما قاله في هذه القصة ، وقيل : هو أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، وقيل : هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد ذكرنا ذلك بإسناده. ومذهب الفرّاء القول الذي بدأنا به قبله واحد يدلّ على جميع ، وكذا (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) يكون ظهير يؤدّي عن الجمع وقد ذكرنا فيه غير هذا.
(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) (٥)
__________________
(١) انظر كتاب السبعة لابن مجاهد ٦٤٠ ، وتيسير الداني ١٧٢ («عرف» قرأ الكسائي بتخفيف الراء والباقون بتشديدها).
(٢) انظر تيسير الداني ١٧٢.