فيه قولان : أحدهما لو كان نقبل كما يقال : سمع الله لمن حمده أي قيل «أو نعقل» أي نفكر ونتبين ، والقول الآخر أنهم إذا سمعوا لم ينتفعوا بما سمعوا فهم بمنزلة الصم.
(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) (١١)
(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) ولم يقل : بذنوبهم ؛ لأنه مصدر يؤدّي عن الجنس (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) (١).
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١٢)
من أحسن ما قيل فيه أن المعنى إن الذين يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس لأنه الوقت الذي تكثر فيه المعاصي فإذا خشوا ربهم جلّ وعزّ عند غيبة الناس عنهم فاجتنبوا المعاصي كانوا بحضرة الناس أكثر اجتنابا (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) خبر «إنّ».
(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (١٣)
(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) كسرت الواو لالتقاء الساكنين واختير لها الكسر لأنها أصلية. (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بحقيقتها.
(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١٤)
(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) قال أبو جعفر : ربما توهّم الضعيف في العربية أنّ «من» في موضع نصب ولو كان موضعها نصبا لكان : ألا يعلم ما خلق : لأنه راجع إلى (بِذاتِ الصُّدُورِ) وإنما التقدير ألا يعلم من خلقها سرّها وعلانيتها (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) مبتدأ وخبره.
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) (١٦)
وكذلك (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) أي سهلة تمشون عليها. يقال : ذلول بيّنة الذلّ ، وذليل بيّن الذّل (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) جمع منكب وهو الناحية (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) حذف منه ، ولو كان على قياس نظائره لقيل : أوكلوا كما تقول : أوجروا (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) رفع بالابتداء.
(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) (٢) وحكى الفراء أن لغة بني تميم أن يزيد وألفا بين الألفين. قال أبو جعفر : يعني يزيدون ألفا لئلا يجمعوا بين همزتين فيقولون : أاأمنتم من في السماء. (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) في موضع نصب على أنها مفعولة. (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) في موضع رفع ، ويجوز النصب أي فإذا هي مائرة.
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٨ / ٢٩٤ ، وتيسير الداني ١٧٢ (قرأ الكسائي بضمّ الحاء والباقون بإسكانها).
(٢) انظر معاني الفراء ٣ / ١٧١ ، وتيسير الداني ١٧٢.