(يُوزَعُونَ) يدفعون. وقال مجاهد وأبو رزين : (يُوزَعُونَ) يحبس أولهم على اخرهم. ويروى عن ابن عباس (يُوزَعُونَ) ، قال : يحبس أولهم على اخرهم حتّى يتتامّوا فيرمى بهم في النار. قال أبو جعفر : والدليل على هذا الجواب أنّ بعده (حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) وهذا من معجز القرآن لأن فيه حذفا واختصارا قد دلّ عليه المعنى ، والمعنى حتّى إذا جاءوا النار وصاروا بحضرتها سئلوا عن كفرهم ومعاصيهم فأنكروها بعد أن شهد عليهم النبيون والمؤمنون. (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) قال الفرّاء (١) : الجلد هاهنا الذكر كنّى الله جلّ وعزّ عنه كما كنّى في قوله جلّ وعزّ (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) [البقرة : ٢٣٥] أي نكاحا ، وقال غيره : هي جلودهم بعينها جعل الله عزوجل فيها ما ينطق فشهدت عليهم ، قال جلّ وعزّ : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) أي ما كنتم تقدرون على أن تستروا معاصيكم عن سمعكم وأبصاركم وجلودكم لأنكم بهن تعملون المعاصي و «أن» في موضع نصب أي من أن.
(وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٢٣)
(وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) ابتداء وخبر ، ويجوز أن يكون ظنكم بدلا من ذلكم و (أَرْداكُمْ) خبر ذلكم ، وعلى الجواب الأول أرداكم خبر ثان فأما قول الفرّاء : يكون أرداكم في موضع نصب مثل : هذا زيد قائما ، فغلط لأن الفعل الماضي لا يكون حالا. قال أبو العباس : أرداكم من الردى وهو الهلاك.
(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) (٢٤)
(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً) في موضع جزم بالشرط ، وجوابه الجملة الفاء وما بعدها ، وكذا (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا).
(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) (٢٥)
(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) عن ابن عباس أن القرناء الشياطين. وهي آية مشكلة فمن الناس من يقول : معنى هذا التحلية للمحنة وقيل : قيضنا لهم قرناء من الشياطين في النار (فَزَيَّنُوا لَهُمْ) أعمالهم في الدنيا. فإن قيل : فكيف يصحّ هذا والفاء تدلّ على أن الثاني بعد الأول؟ قيل : يكون المعنى : قدّرنا عليهم هذا وحكمنا به. ومن أحسن ما قيل في الآية أن المعنى أحوجناهم إلى الإقرار والاقتران فأحوجنا الغنيّ إلى الفقير
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ١٦.