نافع وابن كثير ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة (أَمَّنْ هُوَ) (١) وحكى أبو حاتم عن الأخفش قال : من قرأ في الزمر (أَمَّنْ هُوَ) بالتخفيف فقراءته ضعيفة لأنه استفهام ليس معه خبر. قال أبو جعفر : هذا لا يلزم وقد أجمعوا جميعا على أن قرءوا «أفمن شرح الله صدره للإسلام» وهو مثله. وفي القراءة بالتخفيف وجهان حسنان في العربية ، وليس في القراءة الأخرى إلا وجه واحد. فأحد الوجهين أن يكون نداء ، كما يقال : يا زيد أقبل ، ويقال : أزيد أقبل. حكى ذلك سيبويه وجميع النحويين كما قال : [الكامل]
٣٨٦ ـ أبني لبينى لستم بيد |
|
إلّا يدا ليست لها عضد(٢) |
وكما يقال : فلان لا يصلّي ولا يصوم أمن يصلّي ويصوم أبشر ، والوجه الآخر أن يكون في موضع رفع بالابتداء والمعنى معروف أي : أمن هو قانت اناء الليل أفضل أم من جعل لله أندادا؟ والتقدير : الّذي هو قانت. ومن قرأ (أَمَّنْ هُوَ) فتقديره أم الذي هو قانت أفضل ممّن ذكر و «أم» بمعنى «أبل». فأما معنى قانت فيما رواه عمرو بن الحارث عن درّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «كلّ قنوت في القرآن فهو طاعة لله جلّ وعزّ» (٣) .. وروى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أنه قال : «سئل النبيّ صلىاللهعليهوسلم أي الصلاة أفضل ، قال : طول القنوت» (٤) فتأوّله جماعة من أهل العلم على أنه طول القيام. وروى عبد الله عن نافع عن ابن عمر سئل عن القنوت قال : ما أعرف القنوت إلّا طول القيام وقراءة القرآن ، وقال مجاهد : من القنوت طول الركوع ، وغضّ البصر. وكان العلماء إذا وقفوا في الصلاة غضّوا أبصارهم وخضعوا ، ولم يلتفتوا في صلاتهم ، ولم يعبثوا ، ولم يذكروا شيئا من أمر الدنيا إلّا ناسين. قال أبو جعفر : أصل هذا أن القنوت الطاعة ، وكل ما قيل فيه فهو طاعة الله جلّ وعزّ وهذه الأشياء كلّها داخلة في الطاعة وما هو أكثر منها ، كما قال نافع وقال لي ابن عمر : قم فصلّ فقمت أصلّي وكان عليّ ثوب حلق فدعاني فقال لي : أرأيت لو وجّهتك في حاجة وراء الجدار أكنت تمضي هكذا ، فقلت : لا كنت أتزيّن ، قال : فالله أحقّ أن يتزيّن له.
قال الحسن : (آناءَ اللَّيْلِ) ساعاته أوّله وأوسطه واخره.
وعن ابن عباس قال : (آناءَ اللَّيْلِ) جوف الليل. قال سعيد بن جبير : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) أي عذاب الآخرة. (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) قال أبو إسحاق : أي
__________________
(١) البحر المحيط ٧ / ٤٠٢.
(٢) الشاهد لأوس بن حجر في ديوانه ص ٢١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٦٨ ، ولطرفة بن العبد في ديوانه ص ٤٥ ، وشرح المفصّل ٢ / ٩٠ ، وبلا نسبة في الكتاب ٢ / ٣٢٨ ، وأمالي ابن الحاجب ص ٤٤١ ، والمقتضب ٤ / ٤٢١ ، ومعاني الفراء ١ / ٣١٧.
(٣) مرّ الحديث في إعراب الآية ٢٦ ـ الروم.
(٤) أخرجه الترمذي في سننه ـ الصلاة ٢ / ١٧٨ ، وابن ماجة في إقامة الصلاة حديث رقم (١٤٢١).