(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) (١١)
الكاف في موضع نصب أي تخرجون خروجا مثل ذلك. وبيّن معنى هذا عبد الله بن مسعود ، وهو مما لا يؤخذ به إلا بالتوقيف ، قال : يرسل الله جلّ وعزّ ماء مثل منيّ الرجال وليس شيء خلق من الأرض إلّا وقد بقي منه شيء فتنبت بذلك الجسمان واللحوم تنبت من الثرى والمطر ثم تلا عبد الله (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ).
(وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) (١٢)
(وَالَّذِي) في موضع رفع على العطف. (خَلَقَ الْأَزْواجَ) جمع زوج جمع على أفعال. وسبيل فعل من غير هذا الجنس أن يجمع على أفعل فكرهوا أن يقولوا : أزوج ؛ لأن الحركة في الواو ثقيلة فحوّل إلى جمع فعل ؛ لأنّ عدد الحروف واحد فشبّهوا فعلا بفعل كما شبّهوا فعلا بفعل فقالوا : زمن وأزمن (كُلَّها) توكيد ويسميه بعض النحويين صفة. وباب كلّها الجمع الكثير ، والجمع القليل كلهن. (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) إن جعلت «ما» بمعنى الذي فالضمير محذوف لطول الموسم ولو ظهر الضمير لجاز مما تركبونه على لفظ «ما» ومما تركبونها على تأنيث الجماعة ، وإن جعلت «ما» مصدرا لم تحتج إلى حذف.
(لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (١٣)
(لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) قال الفرّاء (١) : ولم يقل ظهورها ؛ لأنه بمعنى : كثر الدرهم أي هو بمعنى الجنس. قال أبو جعفر : وأولى من هذا أن يكون يعود على لفظ «ما» لأن لفظها مذكر موحد ، وكذا (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) جاء على التذكير.
(وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١٤)
معطوف على ما قبله من القول.
(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) (١٥)
(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) ذكر معناه في ثلاثة أقوال روى ابن أبي نجيح عن
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٣ / ٢٨.