قوله تعالى : (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وأبان ، والمفضّل كلاهما عن عاصم : «قتل» بضم القاف ، وكسر التاء من غير ألف ، وقرأ الباقون : (قاتَلَ) بألف ، وقرأ ابن مسعود ، وأبو رزين ، وأبو رجاء ، والحسن ، وابن يعمر ، وابن جبير ، وقتادة ، وعكرمة ، وأيوب : «ربيون» بضم الراء. وقرأ ابن عباس ، وأنس وأبو مجلز ، وأبو العالية ، والجحدريّ بفتحها. فعلى حذف الألف يحتمل وجهين ذكرهما الزجّاج : أحدهما : أن يكون قتل للنبيّ وحده ، ويكون المعنى : وكأيّن من نبيّ قتل ، ومعه ربّيّون ، فما وهنوا بعد قتله. والثاني : أن يكون قتل للرّبّيين ، ويكون «فما وهنوا» لمن بقي منهم. وعلى إثبات الألف يكون المعنى : أنّ القوم قاتلوا ، فما وهنوا. وفي معنى الرّبّيين خمسة أقوال : أحدها : أنهم الألوف ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس في رواية ، واختاره الفرّاء. والثاني : الجماعات الكثيرة رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وعكرمة ، والضّحّاك ، وقتادة ، والسّدّيّ ، والرّبيع ، واختاره ابن قتيبة. والثالث : أنهم الفقهاء والعلماء ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، واختاره اليزيديّ ، والزجّاج. والرابع : أنهم الأتباع ، قاله ابن زيد. والخامس : أنهم المتألّهون العارفون بالله تعالى ، قاله ابن فارس.
قوله تعالى : (فَما وَهَنُوا) فيه قولان : أحدهما : أنه الضّعف ، قاله ابن عباس ، وابن قتيبة. والثاني : أنه العجز ، قاله قتادة.
قال ابن قتيبة : والاستكانة : الخشوع والذّلّ ، ومنه أخذ المساكين. وفي معنى الكلام قولان : أحدهما : فما وهنوا بالخوف ، وما ضعفوا بنقصان القوة ، ولا استكانوا بالخضوع. والثاني : فما وهنوا لقتل نبيّهم ، ولا ضعفوا عن عدوهم ، ولا استكانوا لما أصابهم.
(وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧))
قوله تعالى : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) يعني الرّبّيين. (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) أي : لم يكن قولهم غير الاستغفار. والإسراف : مجاوزة الحدّ ، وقيل : أريد بالذنوب الصّغائر ، وبالإسراف : الكبائر. قوله تعالى : (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) قال ابن عباس : على القتال. وقال الزجّاج : معناه : ثبّتنا على دينك ، فإنّ الثّابت على دينه ثابت في حربه.
(فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨))
قوله تعالى : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا) فيه قولان : أحدهما : أنه النّصر ، قاله قتادة. والثاني :
الغنيمة ، قاله ابن جريج. وروي عن ابن عباس ، أنه النّصر والغنيمة.
وفي حسن ثواب الآخرة قولان : أحدهما : أنه الجنّة. والثاني : الأجر والمغفرة. وهذا تعليم من الله تعالى للمؤمنين ما يفعلون ويقولون عند لقاء العدوّ.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩))