التفسير : هؤلاء الذين يفزعون من الموت ، ويخشون التعرض له فى مواقف الجهاد فى سبيل الله ـ ماذا يعصمهم من الموت؟ وإلى أين تمضى بهم الحياة؟ أليس الموت هو خاتمة المطاف لكل حىّ وإن طال أجله وامتدّ عمره؟ إذن فالموت الذي يهرب منهم هؤلاء الجبناء هو ملاقيهم يوما ، أينما كانوا .. ولو كانوا فى بروج مشيدة .. فهم إن لم يموتوا بضربة سيف أو طعنة رمح فى ميدان القتال ، ماتوا حتف أنوفهم وهم فى بيوتهم وبين أهليهم .. فإن فرّوا من الموت ، فإنما يفرّون إلى الموت!!
وقوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) هو تنديد لهؤلاء الجبناء الفارّين من وجه الموت ، وفضح لموقفهم المنحرف من الرسول. (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ) .. وتلك قوله حق (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) وتلك رمية باطل وضلال ، فما فيما جاءهم به الرسول ودعاهم إليه ، إلّا الخير الخالص ، لو أنهم استقاموا على الطريق الذي أقامهم عليه.
وقوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) هو الردّ المفحم على تلك التهمة الظالمة التي توجّه بها هؤلاء السفهاء إلى النبىّ .. إنه لا يملك شيئا ، الأمر كله بيد الله .. فما أصابهم من خير أو شرّ فذلك بقدر مقدور قدّره الله ، وأجراه على عباده .. وما كان لأحد أن يغيّر أو يبدل شيئا مما قضى الله به!
وقوله تعالى : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) تسفيه لتلك العقول الضالة التي يعيش بها هؤلاء المنحرفون الضالون .. إنهم لا يكادون يفقهون حديثا .. ولو كان لهم شىء من فقه الحديث ، لكان لهم فيما جاءهم به النبي من كلمات الله ، تبصرة وهدى ، ولكن أنّى للعمى أن يبصروا ، وللصم أن يسمعوا؟ (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً).