هذه الدعوة إلى البر والإحسان ، والتواصل بين الناس ..
وفى هذا التعقيب إشارة إلى أنه لا يتقبل هذه الدعوة الكريمة ، ولا يفى بها إلّا من استشعر قلبه الأخوة ، فوصل نفسه بالناس ، واختلط بهم ، وتحسس مواقع الآلام ، ومواطن العلل فيهم .. وذلك لا يكون إلا من إنسان آمن بأنه ابن هذه الإنسانية ، وأن الناس جميعا شركاء له فى هذا النسب ..
أما من عزل نفسه عن الناس ، وغرّه بذاته الغرور ، وملكه العجب ، واستبدّ به الكبر ، بما آتاه الله ، من مال ، أو صحة ، أو علم ، فرأى أنه من عالم غير عالم الناس ، ومن طينة غير طينتهم ـ فإنه لا يأخذ منهم ولا يعطى ، ولا يمدّ إلى أحد يدا ، ولا يقبل أن يمد إليه أحد يدا .. إن المسافة بينهم وبينه بعيدة .. إنهم أرض وهو سماء .. وأين الأرض وأين السماء؟
ولهذا كان قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) كاشفا عن هذا الصنف المتعالي المتغطرس من الناس ، ذلك الصنف الذي لو وجد إنسانا تتعلق حياته على قطرة ماء لما التفت إليه ، ولما مد يده نحوه بتلك القطرة ، ولو كانت الأنهار تجرى من تحته!
وفى هذا التعقيب إشارة إلى اليهود ، إذ هم الذين عزلوا أنفسهم عن المجتمع الإنسانى ، وعدّوا أنفسهم خلقا آخر غير خلق الناس ـ ونسبوا أنفسهم إلى الله نسبة لا يشاركهم فيها غيرهم ، فقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وسمّوا شعبهم شعب الله المختار!
وفى قوله تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ما يكشف عن تلك الإشارة التي ضمّت عليها كلمات الله فى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) ..