إن المنافق أشبه بمجرم فى قفص الاتهام .. والمجتمع الذي يعيش فيه هو الذي يحاكمه ، ويحاصره ، ويأخذ عليه كل سبيل للإفلات من تلك النظرات المتهمة له ، الفاضحة لجرمه.
ومن هنا يقوم فى كيان المنافق شعور آخر ، يواجه به شعور الخوف والقلق الذي يستولى عليه ، من إحساسه بمراقبة الناس له ، واطلاعهم على خبيئة أمره ، وفضحهم لخفىّ نفاقه ـ هذا الشعور الآخر ، هو الرغبة فى أن يرى الناس جميعا من حوله ، صورة منه .. فلا يلقون أنظارهم إليه ، ولا يلتفت هو إليهم ، ولا يحاول أن يستر فعلته عنهم ، إذ كانوا جميعا على شاكلته .. فإن المجرم بين المجرمين ، لا يستحى أن يكشف عن جرائمه ، بل وربما بالغ فيها ، ليرى أصحابه منه أنه عريق فى الإجرام ، يستأهل مكان الصدارة فى المجرمين!
ومن هنا كان المنافقون يسعون دائما إلى إفساد المؤمنين وإغوائهم ، وتزيين النفاق لهم ، وتحبيب الكفر إليهم ، ليكونوا معهم فى هذا البلاء ، وليقتسموا المحنة التي يعيشون بين المجتمع فيها!
وفى قوله تعالى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) ـ ما يكشف عن هذا الشعور الذي يحرك المنافقين إلى إفساد المؤمنين ، ليؤنسوا وحشتهم ، وليفكوا قيدهم الذي يمسك بهم فى محيط محدود لا يتجاوزونه! حتى إذا امتلأت الأرض نفاقا ، كان لهم أن يسرحوا ويمرحوا كيف يشاءون ، وأن يظهروا ما ستره النفاق منهم ، من كفر وإلحاد .. ولهذا جاء التعبير القرآنى : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا) بديلا مما يقضى به الظاهر وهو : «ودوا لو تنافقون كما نافقوا» ، لأن النفاق يستر وراءه الكفر .. فجاء التعبير القرآنى فاضحا هذا الكفر المستتر وراء النفاق ..
وقوله تعالى : (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) هو