قدّمه ، قد تقاضى به الثمن عاجلا .. فوجد السكينة والأمن مع نفسه المضطربة ، كما وجد السلام ، والوئام مع المجتمع ، ومع أولياء الدم بوجه خاص ..
فواقع الأمر ـ كما ترى ـ هو أن القتل الخطأ فى ذاته معفوّ عنه ، وأن القاتل لم يؤخذ بجرمه ، وأن ما وقع عليه من غرم كان أشبه بعملية غسل لهذا الدم البريء الذي أراقه ، والذي أصابه من رشاشه ما لطّخ يده وثيابه!!
وكان من تمام العلاج لهذا الأمر ، أن القاتل إذا لم يجد ما يحرر به رقبة مؤمنة ، وما يدفع به الدّية إلى أهل القتيل ـ كان عليه صيام شهرين متتابعين ..
وحكمة الشهرين ، وحكمة اتصال الصوم فيهما .. أن تلك المدة ـ مدة الشهرين ـ التي يفرض فيها القاتل على نفسه هذا الحرمان ، هى بمثابة عقاب له ، يأخذ به نفسه .. وفى هذا العقاب ما يخفّف من ألوان تلك الصورة القاتمة التي تحوم فوقه ، من خيالات القتيل ، وأشباحه .. ثم إن فى اتصال هذا الموقف ، دون أن يدخل عليه شىء من التغيير ، إحكاما للتمكين لشعور جديد يقوم مكان هذا الشعور المستولى على القاتل ، والمزعج له ..
ولو ترك القاتل وشأنه بعد أن أدّى هذا المفروض عليه لاستراحت نفسه ، وهدأ باله ، وسكن وسواسه .. ومع هذا فقد أراد الله أن يعود بفضله عليه ، وأن يذهب بكل ما بقي فى نفسه من أثر لهذه التجربة القاسية التي مرّ بها .. فجاء قوله تعالى : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) ليعفّى على كل أثر لهذه المأساة ، ويعيد إلى هذا الإنسان وجوده ، على ما كان عليه من صحة وسلامة ..
____________________________________
الآية : (٩٣)
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٩٣)
____________________________________