الصميم من الواقع ، واللباب من الحدث ، وإن يكن قد ترك ما ترك من حواش وأطراف ، وزوائد ، وقشور!
***
وأما القول بأن القرآن قد تحدث بلسانه العربي ، عن ألسنة غير عربية ، أو نطق بلسانه العربي عن دلالة الحال ، كما في تحديثه عن الجماد والحيوان ، فهذا لا يمكن أن يحىء منه الادعاء بأن القرآن قد تقوّل على من نطق عنه .. وإنما هذا الذي نطق به القرآن ، مترجما به عما نطق الناطقون ، أو نطقت به دلالة الحال ـ إنما هو المضمون الحق ، والمحتوى الصادق الأمين ، لما تلبّست به الخواطر ، وجمجمت به الصدور ، قبل أن تنطق به ألسنة المقال ، أو تهمهم به ألسنة الحال ..
فإذا جاءت كلمات الله ناطقة بما نطقت به ألسنة الحال أو المقال ، كانت تلك الكلمات هي الصورة الكاملة ـ روحا وشكلا ، ومضمونا ومحتوى ـ لما نطق به الناطقون ، ولما أراد أن ينطق به الناطقون ، وأعجزهم العجز عن النطق به!
ثم ماذا يمكن أن يكون غير هذا في مثل هذه الأحوال ، إذا أريد نقلها وعرضها للحياة؟
أكان من التدبير الحكيم هنا أن يجىء القرآن الكريم بالأشخاص والأحداث ، فيبعثها من مرقدها ، ويحركها على مسرح الحياة من جديد ، لتنطق بما كانت قد نطقت به ، أو لتشير إلى ما كانت قد أشارت إليه؟
إن قدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يعجزها شىء. ولكن أتحمل الحياة هذا ، لو أنه حدث؟ وهل يلقاه الناس فلا يفتنون به ، ولا يخرجون عن عقولهم ، فى تخبط مجنون؟ ثم لو استمع العرب إلى هذه المقولات التي نطق بها