ونستشعر من هذا أن «موسى» لا يزال يجد الرهبة والخوف من فرعون ، وأنه لم تزايله رهبة الموقف بعد ، ولا يزال في حاجة إلى هرون يسنده ، ويشدّ أزره ، ويثبت جنانه.
٣ ـ ثم ها هو ذا «موسى» بعد أن تمرّس بالموقف ، وارتاد الطريق ، واختبر المواجهة ، واحتمل الصدمات الأولى لها ـ ها هو ذا يلقى فرعون وحده ، ويسمعه بلسانه مضمون رسالته ، فى قوة وصراحة ، وتحدّ :
(يا فِرْعَوْنُ ..)
(إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ..)
(حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ..)
(قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ..)
(فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ ..) (١٠٤ ـ ١٠٥) (الإسراء)
فيا للاعجاز الذي تذلّ لجلاله جباه الجبابرة ، وتخضع له أعناق المكابرين ، وتعنو له وجوه السفهاء المتطاولين ..
«يا فرعون»!
هكذا يقولها موسى في وجه فرعون .. يناديه باسمه ، متحدّيا ، وينتزعه من سلطانه وجبروته انتزاعا .. فى غير تلطف أو رفق ، أو مبالاة.
إنّها فعلة من يقدم على أمر محفوف بالمخاطر ، بعد خوف ، وتردد ، حتى إذا لم يجد من المواجهة بدا ألقى بنفسه إليه ، مخاطرا ، يتوقع ما يطلع عليه وراء فعلته تلك من أهوال.
وما كان لموسى أن يقول هذه القولة : «يا فرعون» ولا أن يقول بعدها : «إنى» بهذا الضمير المحقّق لشخصيته ، المؤكد لذاته : «إنّى» لا أحد غيرى