(رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) .. ولحرف الجر «من» هنا ماله من الإشعار بهذا الاعتزاز بتلك الشخصية ، والرسالة التي تحملها ، والجهة التي جاءت منها .. ففيها ما ليس في قوله تعالى : (إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) من الشّحنة القوية ، المليئة بالاعتزاز بهذا السلطان ، الذي يستند إليه ، وهو سلطان رب العالمين.
ما كان لموسى أن يقول هذا ، ثم يمضى فيقول :
(حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ..) وهذا اعتزاز بعد اعتزاز لشخصه الذي يحمل رسالة السماء ..
ما كان لموسى أن يقول هذا ، لو لا أن دخل على فرعون هذا المدخل الذي اختبر به الأرض التي تحت قدميه.
ومن هذا الأفق العالي ، يتنزل أمر موسى هادرا مدويّا في وجه فرعون : (فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ).
ولك أن تضع هذا الأمر الصّادع ، إلى جانب هذا الرجاء الذي أسمعاه ـ موسى وهرون ـ لفرعون من قبل ، فى قولهما : (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) وسيتضح لك بعد ما بين الأمرين.
ويستشعر موسى أنّه وقع بين فكى الأسد وبراثنه .. وأن فرعون لن يدعه ينجو من العقاب الأليم ، على هذه الجرأة التي اقتحم بها هذا الحمى الذي لا يقتحم.
٤ ـ وهنا لا يجد موسى بدّا من أن يصحح موقفه ، وأن يلقى فرعون مترفقا متلطفا ، كما أمره الله سبحانه بقوله : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) ..
وهنا يلقاه موسى بهذا الأسلوب اللّين الرقيق ، لعله يكسر بهذا حدّة الموقف ، الذي وصل إلى هذا الحدّ من الخطر .. فيقول له :