أزمنة مختلفة ، وأحوال مختلفة أيضا ، قد جعل منها مشهدا واحدا ، يمسك بتلك المشاعر التي كان يعيش بها أصحابها في هذا الموقف ، دون أن يحدث الانفصال الزمانيّ أو المكانيّ فيها خلخلة ، أو ازدواجا.
ومع هذا ـ أيضا ـ فإننا سنعرض هذه المشاهد ، على أنها صورة واحدة ، فى موقف واحد ، وسنرى أنها تقبل مثل هذا العرض ، وتتلاقى فيه وجوهها ، دون أن تتصادم ، أو تتدافع!
***
ولقد رأينا في المشهد السابق ، أن فرعون ، قد أخذ بالمباغتة ، التي طلع بها موسى وهرون عليه ، وأنه حين أسمعاه هذا القول ، الذي قالاه له في قوّة وجرأة ـ وجم ، ولم ينطق.
ثم صحا من هذا الذهول ، وتنبه لحقيقة الموقف ، فاتّجه إلى موسى بهذه الأسئلة الهازئة الساخرة :
(أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ. وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (الشعراء) (١٨ ـ ١٩).
وقد قدّر فرعون أن هذه الكلمات ستصيب موسى في الصميم منه ، وأنها ستخفض رأسه في حضرته .. إذ أنه سيذكر من هذه الكلمات ، طفولته وضياعه ووقوعه ليد فرعون .. ثم إنه ستطلع عليه من هذا الكلام صورة مخيفة لفعلته التي فعلها ، وهي قتل المصري ، وأن فرعون إذا لم يأخذه بجرأته عليه ، أخذه بهذا المصريّ الذي قتله.
ولا يقف موسى عند ما ذكره له فرعون ، من تربيته له ، وضمه إليه ، بل يجعل همّه كلّه دفع هذا الخطر الذي يتهدّده من حادثة القتل .. فيقول مجيبا فرعون :!