وانظر كيف خلص موسى من هذا الموقف الذي كان يدفعه فرعون إليه دفعا ـ إلى هذا العرض المحسوس الذي لا ينكر ، لقدرة الله ، وما لهذه القدرة من آثار تملأ وجوه الحياة!
ويضيق فرعون بهذا التدبير الذي أفلت به موسى من المصيدة .. فيجىء إلى موسى من طريق آخر .. فيسأله :
(وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)؟ (٢٣) [الشعراء].
ويكون جواب موسى حاضرا :
(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) [الشعراء]
ويتلفت فرعون حوله عجبا ، ودهشا ، مستنكرا .. يقول لأهل مجلسه (أَلا تَسْتَمِعُونَ)؟ ... [الشعراء]
وإلى هذه الجبهة الجديدة التي فتحها فرعون يتجه موسى قائلا :
(رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) .... [الشعراء]
وتثير هذه الجرأة حنق فرعون .. إذ كيف يجرؤ موسى على تخطى فرعون ومخاطبة غيره في حضرته .. أهناك من يكون له وجود مع وجود فرعون؟
ثم إن فرعون يخشى ـ من جهة أخرى ـ أن يكون لقول موسى أثر في الملأ الذين حوله .. فيقول لهم :
(إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)! ... [الشعراء]
ويردّ موسى قول فرعون هذا ، ويؤكد لمستمعيه ما قال من قبل ، فيقول :
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [الشعراء]
وفي قولة موسى هذه تحريض لهؤلاء الأتباع من قوم فرعون ، أن يستقلّوا بوجودهم ، وأن يحتفظوا بعقولهم ، وأن يفكروا لأنفسهم ، وألا يدعوا أحدا يفكّر لهم ، ولو كان فرعون .. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)!