فثبات المعجزتين ـ العصا واليد ـ على هذا الوجه الذي ثبتتا عليه ، اقتضى أن يكون النظم المصوّر لهما ، والضابط لوقوعهما ، ثابتا لا يتغيرّ ، قليلا أو كثيرا ..
وهذا وجه من وجوه إعجاز القرآن ، كما أنه وجه آخر من وجوه صدقه ، فى نقل الأحداث وضبطها ..
وتكرار النظم لهذه الصورة وعرضها في معرضين على هيئة واحدة ، هو الذي يكشف عن هذا المعنى الذي نلحظه في هذا الإعجاز الذي حملته المعجزتين ، وبانتا به عن كل ما هو في مستطاع البشر أن يبلغه في مجالهما ..
***
وإذ يرى فرعون والملأ حوله هذا الذي كان من عصا موسى ويده ، تدور به الأرض ، وتعتريه رعشة الخوف ، ممزوجة بالغضب والحنق والنقمة ، ثم لا يجد بدا من أن يقول قولا يمسك به وجوده ، ووجود الملأ من حوله ، وإلا استولى موسى على هذا الموقف ، وأصبح السيد المتصرف فيه ..
(قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ ..)
(إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ .. فَما ذا تَأْمُرُونَ)؟
(٣٤ ـ ٣٥ الشعراء)
وتعمل هذه القولة عملها في قوم فرعون ، ويصحو القوم من هذا الذهول الذي استولى عليهم ، ولكنها صحوة أشبه بصحوة المخمور ، يطلع عليه ما يزعجه ، فيمسك بأى شىء ، ويلقى بنفسه إلى أي شىء!
والقوم لا يجدون شيئا يمسكون به إلا كلمة فرعون تلك ، التي ألقى بها إليهم ، إنه .. يسألهم فيجيبون بما سألهم .. إذ لا يملكون ـ فى تلك الحال المستولية عليهم ـ عقلا يفكر ، أو رأيا يسعف ..