وقال الملأ من قوم فرعون :
(إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ؟). (١٠٩ ـ ١١٠ : الأعراف)
نفس الكلمات التي نطق بها فرعون .. يلتقطها القوم ، ويجعلونها جوابا على ما سأل ..
وهكذا يكشف القرآن الكريم عن المعجزة وأثرها في القوم ، واستيلائها على وجودهم كلّه ، بما لم ينكشف حتى لمن شهد الواقعة عيانا ، أو وقع تحت تأثيرها مباشرة.
ويمسك فرعون مرة أخرى بخيوط واهية من الموقف الذي كاد يفلت منه ، وقد شاع في قومه هذا الشعور بأن موسى ساحر عليم ، فيجسّد لهم هذه المشاعر في تلك الكلمات المتحدّية المهدّدة .. يواجه بها موسى!
«قال :
(أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى؟ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً) (٥٧ ـ ٥٨) (طه)
ويفزع القوم لما يسمعون من فرعون ، وأن موسى يريد أن يخرجهم وفرعون معهم ـ من أرضهم ، بقوة هذا السحر الذي بين يديه ، ويتمثل لهم من هذا أنهم في وجه خطر داهم .. إن هم لم يعاجلوه بالعزم والحسم ، عاجلهم بالبلاء والتشريد من ديارهم ، والخروج عما هم فيه من دولة وسلطان في ظلّ من دولة فرعون وسلطانه .. إن الأمر جدّ ليس بالهزل ، وإن فرعون يرى أنها معركة ، وها هو ذا يحدد زمانها ومكانها.
وهنا يصحو القوم صحوة أشبه بصحوة المحتضر .. وإذا هم صوت واحد يهدّد ويتوعد ، وإذا القرآن الكريم يمسك بالصميم من هذا الصوت ، ويجمع