قَلْبِكَ ، لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) «١٩٣ : الشعراء» .. فكان من مقولات بعض المفسرين في هذه الآية ، أن النبي صلوات الله وسلامه عليه ، كان يتلقى من الوحى معانى القرآن ، ثم ينقل هذه المعاني إلى كلمات .. وهذا يعنى أن القرآن سماوى المعنى ، أرضى اللفظ!.
وهذه المقولة من بعض المفسرين ، هى ضمن مقولات كثيرة ، ينقلونها حكاية عن بعض الرواة ونقلة الأخبار ، وهم يريدون بهذا أن يضعوا كل ما بلغهم من مقولات ، دون أن يتحملوا تبعة تجريحها أو تعديلها ، تاركين لغيرهم مهمة القبول أو الرد ، والتعديل أو التجريح .. ونسوا أن هناك متربصين بكتاب الله وبرسول الله ، مهمتهم هي اصطياد هذه المقولات المريضة ، ثم محاجّة المسلمين بها ، لأنها أبلغ حجة ، إذ كانت مما قاله المسلمون فى كتابهم ..
وندع هذا ، لنقول : إن معنى الآية واضح صريح ، فى أن القلب هو وعاء الإدراك السليم ، والفهم الصحيح ، وهو موطن المعتقدات القائمة على الفهم والإدراك .. فنزول كلمات الله على قلب النبي ، معناه تمكن هذه الكلمات من القلب ، ونفاذها إليه مباشرة ، من غير معوّقات .. فليس كل كلام ينفذ من السمع إلى القلب. وليس كل مستمع بأذنه مصغيا بقلبه .. فهناك كلام هو مجرد ألفاظ جوفاء ، تطنّ في الأذن ، دون أن تجد طريقها إلى القلوب .. ومن هذا ما يروى عن الحسن البصري ـ رضى الله عنه ـ أنه سمع واعظا يعظ في مسجد البصرة ، فوقف مليا يستمع إليه ، فلما لم يجد ما ينفذ إلى قلبه منه ، انصرف عنه قائلا : «يا هذا .. بقلبك شىء أو بقلبي»!
وكم من كلام طيب ، لا يجد الآذان التي تسمع ، وإن وجد الآذان السامعة