فكيف يصحّ مع هذا أن ينسب القرآن إلى الله ، بهذا الوصف ، فيقال عنه إنه كلام الله ، إذا كان المعنى من عند الله ، واللفظ من عمل محمد؟ وهل الكلام إلا هذه الألفاظ التي صيغت فيها هذه المعاني ، وصبّت في قوالبها؟
إننا نأسف كثيرا ، إذ نرى مثل هذه المقولات ، تأخذ مكانها في كتب التفسير ، ولو كانت على سبيل الحكاية لمقولات غير المؤمنين .. فكيف وهي تنسب إلى أئمة أعلام ، وتدس عليهم من أعداء الإسلام. ثم تؤخذ هكذا على علاتها ، دون أن تؤد في مهدها ، وترد على المفترين والمروجين لها؟
***
قوله تعالى :
(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ؟).
الضمير فى «إنه» يعود أيضا إلى القصص القرآنى ، كما عاد إليه الضمير فى قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ).
وقد خالفنا في هذا أكثر المفسرين ، الذين جعلوا الضمير في الموضعين عائدا على القرآن الكريم .. وجعلناه نحن عائدا على القصص القرآنى وحده .. وقد رجح عندنا هذا الرأى لأمرين :
أولا : أن أكثر ما كان يتهم به النبي عند المشركين في شأن القرآن ، هو ما جاء فيه من أخبار وحوادث ، من القرون الغابرة ، والعصور السحيقة .. ولهذا ، فقد كان الأمر في تقديرهم لا يعدو أن يكون استماعا من النبي لهذه الأخبار ، ثم تشكيلها ، وتلوينها بألوان الخيال ، وإخراجها على الصورة التي يتصورها ..