المهلكات ، التي أرسلناها على المكذبين قبلهم .. ثم هم إذا تركوا ، حتى آخر يوم من أيام حياتهم ـ أليس بعد هذه السنين التي يقضونها في هذه الدنيا ، موت؟ ثم إذا هم ماتوا ، وجاءهم العذاب الذي أعدّ لهم في الآخرة ، أينفعهم شىء مما كانوا فيه في دنياهم ، من مال وبنين ، وجاه وسلطان ، وأهل وعشير؟ إنه لن يغنى عنهم من عذاب شىء مما كانوا فيه ..
وقد نسب الاستعجال بالعذاب إليهم ، لأنهم بكفرهم وعنادهم ، قد أوجبوا وقوع العذاب عليهم ، وتعجيله لهم .. لأن هذا المعجل هو انتقام منهم لتكذيبهم بآيات الله ، وتحديهم لرسول الله ، والله سبحانه وتعالى يقول في فرعون وآله : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ) (٥٥ : الزخرف) ويقول في ثمود ، قوم صالح : (فَعَقَرُوها .. فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ .. فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) (١٥٧ ـ ١٥٨ : الشعراء)
ويجوز أن تكون نسبة تعجيل العذاب إليهم ، على سبيل الحقيقة ، لأنهم كانوا يستعجلون العذاب فعلا على سبيل التحدّى ، كما يقول الله سبحانه وتعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢ : الأنفال)
قوله تعالى :
(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ) هو تعقيب على التهديد الذي حملته الآيات السابقة إلى المشركين ، فى قوله تعالى : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ ..) الآيات» .. أي أن هذا العذاب المرصود لمن يكذب برسل الله ، ويمكر بآياته ، إنما يقع في أعقاب ما يحمل الرسول إلى قومه من نذر بين يدى دعوته إياهم ، إلى الإيمان بالله ، حتى إذا بلغهم ما أنذروا